استنتاجات ما بعد الاتفاق النووي حميدي العبدالله
ثمة تداعيات سياسية ومالية واقتصادية للاتفاق النووي، تداعيات لن تكون ساحتها إيران وحدها، بل المنطقة والعالم، فإيران اعتباراً من ما بعد الاتفاق ستكون قوة فاعلة في العلاقات الدولية، ولا سيما على مستوى الإقليم. ولكن ثمة آراء وتقييمات مختلفة في شأن قراءة ماهية الدور الإيراني بعد الاتفاق، وبأي اتجاه سوف يصبّ، وهل تتكرّر التجربة الصينية، لجهة طبيعة العلاقة مع الغرب، أم أنموذجاً آخر سوف تختطه إيران؟ لا شك أنّ التجربة الإيرانية سوف تحمل سمات مشابهة للتجربة الصينية، ولكن أيضاً ستكون لها خصائص مختلفة.
أولاً، لجهة السمات المشتركة فهي تكمن في أنّ العلاقة بين إيران والغرب ستكون علاقة ندّية قائمة على مبدأ تبادل المصالح، وهذا سوف يتجلى في شكل أساسي في المجال الاقتصادي، أي أنّ علاقات إيران مع الغرب اقتصادياً سوف تشهد تحسناً ملحوظاً، فإيران تحتاج إلى الغرب والغرب يحتاج إلى إيران، وسوف تشهد إيران فورة استثمارات غربية، أولاً لتعويض خروج الشركات الغربية من إيران على امتداد أكثر من 35 عاماً، وثانياً للحصول على فرص استثمارية ستعزّز أرباح هذه الشركات في توقيت هي في حاجة إلى أي رافعة في ظلّ تباطؤ الاقتصاد نتيجة للإشباع في الغرب، الاستثماري والاستهلاكي، ونتيجة لاشتداد التنافس بعد أن دخل العالم الصناعي منتجون جدد، لا سيما دول مجموعة «بريكس».
بديهي أنّ تطور العلاقات الاقتصادية بين إيران والغرب، ستكون له انعكاسات سياسية، أي خلق مصالح مشتركة لشركات وقطاعات معينة من شأنها أن تنقل العلاقة بين إيران والدول الغربية من المسار الذي كانت عليه بعد انتصار الثورة الإيرانية، وهو مسار تصادم ومواجهة وحروب، وقطيعة اقتصادية، إلى مسار تعاون في إدارة المصالح المشتركة.
لكنّ الخصائص التي تُميّز التجربة الإيرانية ستجعل مسار إيران مختلف في علاقاتها مع الغرب عن مسار الصين، إيران جزء من منطقة ملتهبة وتمزقها الحروب والصراعات، وتتقابل فيها المحاور، فضلاً عن عودة الصراع بين روسيا والغرب، وهذا الصراع له بعد جيو سياسي، كما أنّ موقع إيران يجعلها تتأثر بقوة بهذا الصراع، ولهذه الأسباب من الصعب أن تكون سياسة إيران الخارجية مشابهة لسياسة الصين القائمة على فكرة الانكفاء والحدّ الأدنى من المواقف لإرضاء جميع المحاور الكبرى المتصارعة. موقع إيران الجيو سياسي، يحتّم عليها تحديد مواقفها من ما يجري حولها، وهذا من شأنه أن يضع إيران في موقع مقابل للسياسة الغربية، لا سيما وأنّ الغرب لا يزال يعتمد سياسات الهيمنة، ودعم الكيان الصهيوني على حساب حقّ الشعب الفلسطيني، كما أنّ إيران ترى أنها مستهدفة مباشرةً بما يجري في اليمن وسورية والعراق، ومعروف أنّ ما يجري في هذه البلدان للغرب دور كبير فيه.
(البناء)