مأزق السعودية بعد «النووي» يؤخر «كلمة السرّ» سنتين ابراهيم ناصرالدين
لقاء في توقيت سيء بين الرئيس الاسبق للحكومة سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط في السعودية، الرجلان جلسا على وقع «مجالس العزاء» المفتوحة في السعودية، «والنحيب» الاسرائيلي الذي يملأ الارجاء، فيما كان يكفي رؤية الوجه الضاحك لوزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف على شرفة الفندق الذي جرت فيه المحادثات في فيينا من اجل معرفة من الذي انتصر هناك. «الفرس انتصروا وهم قادمون»، ربما هي العبارة الاكثر دقة لخلاصة هذا اللقاء الذي لم تخرج منه اي اجابات شافية حول طبيعة المرحلة المقبلة على الساحة اللبنانية، بانتظار «كلمة السر» السعودية. فهل من انعكاسات ايجابية على الملف اللبناني «السهل» كما يقول الرئيس نبيه بري؟ ام اننا مقبلون على مرحلة اكثر «تعقيدا» كما توقع رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع؟
اوساط ديبلوماسية عربية في بيروت، تميل الى تبني تشاؤم «الحكيم» وليس تفاؤل بري «الحذر»، لان الحديث عن «انفراجات» محتملة كان ليكون اكثر واقعية لو ان الرياض راضية على الاتفاق النووي، لكن المملكة الان في وضع صعب على اكثر من صعيد، فهي في مواجهة جدية مع رئيس الولايات المتحدة الاميركية باراك اوباما، فالتسوية النووية تعتبر إنجازا شخصيا وتاريخيا بالنسبة اليه، وهي على قدر «الإنتصار» الذي حققه الرئيس ريتشارد نيكسون عندما أعاد فتح العلاقات مع الصين قبل أربعين سنة في ذروة الحرب الباردة، وكانت محاولة نيكسون «مقامرة» في وقتها وسط شكوك من إمكانية «التصالح» مع دولة لديها طموحات دولية، لكن التاريخ اثبت صوابية استراتيجيته. اما المعضلة الحقيقية، ان حليفي الولايات المتحدة السعودية واسرائيل، لا يملكان ترف الانتظار كي يحكم التاريخ على مدى صوابية خطوة اوباما.
واذا كان بنيامين نتانياهو يملك فرصة «اللعب» على التناقضات في الولايات المتحدة، ويستعد لممارسة الضغوط على الكونغرس من خلال اللوبي الصهيوني هناك، قبل ان يفكر باي خطوة «انتحارية» «لقلب الطاولة» على الاتفاق، فان مشكلة السعودية انها لا تملك اي هوامش للمناورة، وفرصتها الوحيدة المتاحة لتسجيل اعتراضها على التسوية هي الملفات الساخنة في المنطقة، وسط عجز اميركي عن اقناعها بفوائد هذا الاتفاق الذي منح ايران حق التخصيب، وحق الاحتفاظ باجهزة الطرد المركزي، والحق في حماية المنشآت النووية، والحق في شراء السلاح من روسيا، وفيما العقوبات الدولية تذهب ادراج الرياح، ايران تحولت الى دولة طبيعية وانتقلت الى معسكر «الأخيار» ضد الارهاب في المنطقة؟ فاي «جائزة ترضية» يمكن ان تعوض هذا الانجاز الايراني؟ وهل طهران مستعدة اصلا لدفعه؟
طبعا لا تملك واشنطن الاجابات تضيف الاوساط، فتبديد مخاوف الحلفاء مهمة صعبة، في المقابل خرجت طهران من دائرة الضغوط، وهي غير مهتمة اصلا بعلاقات واسعة مع الولايات المتحدة ، خاصة بعد أن قدمت «التنازلات» الضرورية وعاد نفطها للتدفق، وعادت الاستثمارات الخارجية الى اسواقها، وجرى الاعتراف بدورها الاقليمي. ولذلك لن يكون كافيا بالنسبة الى حلفاء واشنطن طمأنتهم بانه لن يتم التخلي عنهم كما لم تتخل ادارة نيكسون عن اليابان وكوريا عندما انفتحت في العلاقة مع الصين، ولن يكون كافيا تكرار المسؤولين الاميركيين «لمعزوفة» إن الخيار العسكري لا يزال على الطاولة، وهذا سيكبل إيران التي لن تجرؤ على التنصل من الاتفاق، كل هذه «الترهات» لم تجد آذانا صاغية خصوصا لدى المسؤولين في السعودية، فما هو عالق في اذهانهم كلام الرئيس الاميركي في قمة كامب ديفيد «التحضيرية» لهضم الاتفاق النووي، حيث قال صراحة ان دول المنطقة التي تعارض الاتفاق عليها أن تنتهز الفرصة وتتحرك الى الأمام من أجل تخفيف التوتر في المنطقة. ماذا يعني هذا الكلام؟
يعني «الجلوس» مع طهران على «الطاولة» لاطفاء النيران المشتعلة في الشرق الاوسط، وهنا تكمن المعضلة الحقيقية، لان الذهاب الى التفاوض مع ايران الخارجة من انتصار «تاريخي»، يعني ان المفاوضات ستكون شاقة وصعبة واحتمالات الحصول على تنازلات ايرانية تعادل «الصفر»، ودون انجازات سياسية وميدانية لن تذهب السعودية الى مفاوضات «اذعان» في ظل اختلال موازين القوى على الارض، فايران المزهوة بانتهاء مفاوضاتها بنجاح وندية مع الدول الكبرى في العالم، لن تقدم اي تنازلات للطرف السعودي الذي فقد معظم «اوراق القوة» في المنطقة، فتاثير السعودية محدود في العراق، ودون الحلفاء هو محدود جدا في سوريا، ويتراجع يوما بعد يوم في اليمن، وبعد ان كان يتفرد بالقرار هناك اصبحت ايران شريكا اساسيا في الحرب والسلم، اما في لبنان فموازين القوى واضحة المعالم، ولا تحتاج الى الكثير للاستدلال عليها.
اما التحدي الجديد الذي تواجهه السعودية فهو «داخل البيت» الخليجي، بحسب الاوساط، فالإمارات العربية المتحدة كانت السباقة في مباركة الاتفاق النووي الإيراني مع القوى الكبرى انطلاقا من حساباتها الاقتصادية البراغماتية، فحاليا تستحوذ الإمارات على 80% من التبادلات التجارية بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، فيما تعد طهران رابع شريك تجاري للإمارات. ومصدر معظم هذا التبادل هو دبي التي يعيش فيها نحو أربعمئة ألف إيراني يديرون شبكة ضخمة من الأعمال. والتجارة مع إيران ارتفعت إلى 17 مليار دولار العام الماضي، ويتوقع ان تصل الى 23 مليار دولار بعد رفع العقوبات، وثمة توقعات بان تقوم دول خليجية على غرار قطر وعمان والكويت بخطوات تقارب مع طهران في ظل قناعة بعدم الاستمرار بمواجهة ستكون نتائجها وخيمة على المنطقة برمتها.
وانطلاقا من هذه المعطيات تجد السعودية نفسها امام مفترق طرق، فإما ان تستمر في خوض مواجهة خاسرة على مختلف الجبهات مع خصمها الايراني وتدخل في سباق تسلح لمعادلة موازين القوى، وهذا الخيار سينهكها اقتصاديا ويستنزف مقدراتها ويزيد من الأعباء المفروضة عليها ويضاعف من الضغوط الاجتماعية التي تواجهها خصوصا مع تراجع أسعار النفط المرجح ان تنخفض أكثر. أو «تتواضع» وترضخ للأمر الواقع وتحاول أن تعيد النظر في سياساتها الخارجية.
ترجح تلك الاوساط ان لا تستجيب السعودية قريبا «لصوت العقل» وهذا يعني دخول المنطقة في مرحلة «حرجة» ستزداد معها «النيران المشتعلة»، وينطلق هذا الاستنتاج من رهان سعودي جديد على الوقت. فوفقا للقراءة السعودية فان استعادة طهران لتوازنها الاقتصادي والمالي يحتاج إلى وقت وهو سيمتدد على اقل تقديرنحوعامين، وهذا يمنح المملكة هامشا للقيام بخطوات استباقية لحسم ملفين على الاقل، الملف اليمني، وكذلك السوري، وذلك قبل استعادة إيران لكامل طاقتها المالية الاقتصادية. وهذا الامر يشير الى ان المنطقة ستكون امام مرحلة شديدة الخطورة اقله خلال العامين المقبلين.
وهذا يضع لبنان مجددا في «دائرة المراوحة» والانتظار، فحلفاء ايران ليسوا في وارد تقديم اي تنازلات على وقع «الانتصار» الاستراتيجي في الاقليم، وهم يدركون ان «مكابرة» السعودية لن تستمر الى الابد، ووضعها يسوء مع مرور الايام، فلماذا الاستعجال؟ فما كان غير مقبول قبل الاتفاق النووي لن يكون مقبولا بعده، والرهان على الوقت ليس في صالح الفريق الاخر، فالحريري وجنبلاط لا يملكان سوى القدرة على «التعطيل»، وهو دور «صغير» في خضم «لعبة» كبيرة ترسم فيها معالم خرائط جديدة في المنطقة، يشارك فيها حزب الله بفعالية، ولا يضيره ان تبقى ادوار خصومه عند هذا الحد.
(الديار)