الشيكات بعد العاصفة: عاموس هرئيل
الهدف الاسمى لرئيس الولايات المتحدة باراك اوباما تحقق مع الاعلان عن الاتفاق في فيينا أمس: لن تكون لإيران قدرة نووية عسكرية في العقد القريب، على الاقل. وبدلا من أن تبقى على بعد ثلاثة اشهر من تحقيق هذه القدرة، كما هي اليوم، ستزداد هذه المدة إلى سنة تقريبا. اضافة إلى هذا الانجاز المهم بحد ذاته، فان الاتفاق لا يحوي الكثير من السعادة للغرب أو لإسرائيل.
في قلب الحوارات التي سبقت المراسيم كانت محاولة لايجاد توازن بين قطبين: مستوى الرقابة على الخطة ومنشآت السلاح النووي، وفي المقابل مستوى رفع العقوبات المفروضة على إيران. وحل الوسط الذي يقضي بالابقاء على زيارات المراقبين الدوليين في مواقع مشبوهة وبعد التنسيق المسبق مع الإيرانيين، يوفر مدخل للتعويق والادعاءات من قبل إيران والآلية التي تمكن من اعادة العقوبات ضد إيران، 65 يوما بعد الاخلال بالاتفاق، يتضح من التسريبات مؤخرا وجود خلاف حول طلب الإيرانيين رفع الحصار على بيع السلاح التقليدي لطهران، وفي نهاية المطاف تم الاتفاق على التمديد خمس سنوات.
من خلال متابعة النقاشات في المرحلة الاخيرة من المفاوضات، يظهر الاشتباه بأن البقرة (الولايات المتحدة) ارادت أن ترضع العجل أكثر مما يريد (إيران). يتضح أن تحقيق الاتفاق كان هدفا إيرانيا، لكن على طول الطريق ظهر التردد الايديولوجي المبدئي للزعيم الروحي علي خامنئي، الزعيم الكهل الذي خشي من أن يكون رفع العقوبات اضافة إلى انقاذ الاقتصاد الإيراني، سيفتح بلاده على الغرب، الامر الذي سيمكن الأمريكيين من قطف الثمار، وبالتالي سيتغير بالتدريج، تحت الضغط الشعبي، وجه النظام. الاستعداد للتوقيع على الاتفاق رغم التردد ورغم خطاب الخطوط الحمراء يثبت أن الصفقة كانت جيدة بدرجة لا يستطيع الإيرانيون التنازل عنها.
الاتفاق بين القوى العظمى وإيران هو الحدث الاهم في المنطقة منذ بدأ الانهيار في العالم العربي قبل اربع سنوات ونصف، وتصل البشرى إلى الشرق الاوسط وهو مقطع الاوصال من حروب ذات طابع ديني واضح (الشرخ بين الشيعة والسنة) حيث تلعب إيران دورا مركزيا في ذلك. دول سنية تخاف من إيران وتطلب الحفاظ على دورها في المنطقة، مثل السعودية ومصر وتركيا، من شأنها أن تخوض سباق تسلح بهدف تحقيق مكانة دولة على شفا الذرة، على ضوء تخوفها من أن إيران ستخدع الغرب مرة اخرى وتجد طريقة لتجاوز الاتفاق. أما الاموال التي ستضخ في الاقتصاد الإيراني على ضوء رفع العقوبات، فمن شأنها أن تساعد في زيادة المصادر لنظام الاسد في سوريا وحزب الله في لبنان وحماس والجهاد الإسلامي في غزة والمتمردين الحوثيين في اليمن. التلميحات من واشنطن في السنة الاخيرة تشير إلى أن ادارة اوباما تسعى إلى تعاون الاطراف، مثل الصراع ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق.
الازمة الخطيرة في علاقات الولايات المتحدة ـ إسرائيل التي في مركزها العلاقات الشخصية المتوترة بين رئيس الحكومة نتنياهو والرئيس براك اوباما، تركت نتنياهو في مكانة تأثيره فيها هامشي في المراحل الاخيرة من المفاوضات. الآن وبعيدا عن الانتقاد العلني الذي سيوجهه رئيس الحكومة للرئيس الأمريكي، يتوقع أن يبدأ الصراع في الكونغرس ـ محاولة نتنياهو تقييد اوباما عن طريق افشال الوعد الأمريكي برفع العقوبات التي فرضها الكونغرس على إيران. رغم التشجيع الذي يحظى به رئيس الحكومة عند الجمهوريين، ورغم حقيقة أن تأجيل التوقيع على الاتفاق في فيينا قد أطال فترة المصادقة في الكونغرس إلى شهرين، إلا أن نجاح نتنياهو يرتبط بقدرته على نقل 13 سناتور ديمقراطي إلى المعسكر المعارض للرئيس. احتمال ذلك غير كبير في هذه المرحلة، رغم الثغرات الكثيرة في الاتفاق.
في كل الاحوال فان مكتب رئيس الحكومة سيبذل جهده في هذا الصراع، الذي سيرافقه تهجمات كلامية على الرئيس وسياسته. نأمل أن لا يؤدي الخلاف والعداء الشخصي إلى حرق كل الجسور بين القدس وواشنطن. وفي نهاية المطاف بعد الصراع في الكونغرس ايضا، يتوقع أن ينتظر اوباما نتنياهو في البيت الابيض مع دفتر الشيكات والاستعداد لمنح إسرائيل تعويض أمني سخي.
اوباما ومتحدثيه سيحاولون تسويق الاتفاق في الايام القادمة على اعتبار أنه انجاز كبير في السياسة الخارجية الأمريكية، والتطور الاهم في المرحلتين الانتخابيتين للرئيس. عمليا كان يمكن الأمل باتفاق افضل، لكن حتى لو كان اتفاق فيينا اشكالي وناقص، إلا أنه سيتحول إلى حقيقة واقعية. في المقابل، هجوم إسرائيلي على منشآت السلاح النووي، لم يعد جزءً من سيناريو واقعي، واذا نجح اوباما في الكونغرس فسنبقى مع الحقائق الاساسية: إيران ستبقى قوة عظمى اقليمية، ذات تأثير سيء، لكن دون قدرات نووية عسكرية في هذه المرحلة. الرد الإسرائيلي على هذا التهديد يرتبط بتقوية العلاقات مع الولايات المتحدة وتحسين قدرة الجيش الإسرائيلي وتعزيز تحالف المصالح مع الدول السنية المعتدلة في المنطقة. هذه صورة مركبة لكنها ليست بالضرورة أسود من السواد.
هآرتس