مقالات مختارة

إسرائيل واتفاق طهران النووي: ناحوم برنياع

 

في كل الـ 159 صفحة من الاتفاق مع إيران لم أجد ذكرا واحدا لإسرائيل ـ ولا حتى بالتلميح. من جهة هذا جيد: فلو كانت القوى العظمى طبقت على إسرائيل ذات المطالب التي تطبقها على المشروع النووي الإيراني لكنا في مشاكل عويصة؛ من جهة اخرى هذا مثير للحفيظة: اتفاق له معنى مصيري بشأن كل من يعيش هنا يوقع من فوق رأسنا، وكأن بين طهران وفيينا ليس سوى النوايا الطيبة لنظام آيات الله. إسرائيل يوك.

ان تجاهل إسرائيل ليس مهينا فقط بل وخطير. يحتمل أن يكون يحتوي في طياته قدرا أكبر من المخاطر لإسرائيل من شفا القنبلة الإيرانية. وبمفهوم ما فانه يعيدنا إلى 1956، حين بعث رئيس الولايات المتحدة آيزنهاور ورئيس وزراء الاتحاد السوفييتي بولغانين لحكومة إسرائيل رسائل تهديد وفرضا عليها الانسحاب من سيناء. في الكونغرس الأمريكي صفقوا لرئيس وزرائنا؛ في المحادثات في فيينا استخفوا به. في اختبار النتيجة، كان من الافضل لو أنهم صفقوا أقل وراعوا دولتنا أكثر.

تعالج بنود الاتفاق موضوعين، وهما وحدهما فقط: النووي والعقوبات. ولكن آثارها اوسع من ذلك بلا قياس. فليس صدفة ان سارعت وسائل الإعلام العالمية بتسمية الاتفاق «التاريخي»: اكثر بكثير من موضوع النووي، فانه يشكل انعطافة ممكنة في علاقات القوى في الشرق الاوسط، في المكانة السياسية والاقتصادية لإيران، وربما ايضا العسكرية، وفي علاقاتها مع الاسرة الدولية، وقبل كل شيء مع الولايات المتحدة. لقد حظي نظام آيات الله بشرعية عالمية شاملة دون أن يتعهد بتغيير جدول أعماله بصفته هذه، باستثناء تجميد المشروع النووي لعشر أو خمس عشرة سنة.

وزير الخارجية الأمريكي كيري، الذي كان حلم حياته عقد اتفاق سلام إسرائيلي ـ فلسطيني يحقق له جائزة نوبل، سيحصل على نوبله بفضل الاتفاق مع إيران. ليس نتنياهو وأبو مازن هما اللذان سيقفان إلى جانبه في الاحتفال في بلدية اوسلو، بل محمد ظريف، وزير خارجية آيات الله. وسيستقبل كيري التغيير بفرح: النوبل هو نوبل. الاتفاق مع إيران هو ما سيأخذه كيري إلى بيته بعد أن ينهي ولايته. وبهذا الانجاز سيتباهى؛ وبهذا الانجاز سيهان.

بعد التوقيع على الاتفاق الانتقلي كتبت ان الاتفاق هو أهون الشرور: ينبغي أن نحاكمه ليس فقط وفق ما يوجد وما لا يوجد فيه، بل وايضا وفق ما كان من شأنه ان يحصل لو لم يوقع الاتفاق. ومراجعة الوثيقة الكاملة تؤكد هذا الاحساس. فهو يسمح لإيران بان تكون دولة حافة نووية، على مسافة سنة من القنبلة. ولكن البديل، إيران كفاحية، مسلحة بقنابل نووية، حرة من الرقابة، مبهجة اقل.

كان نتنياهو يفضل عملا عسكريا أمريكيا، يدمر المنشآت النووية مع اجزاء واسعة من إيران. ولم يكن للأمريكيين أي نية لعمل ذلك. عندما تحدث اوباما عن أن «كل الخيارات على الطاولة»، فقد كان يتظاهر، مثلما تظاهر نتنياهو عندما هدد بعملية عسكرية إسرائيلية. لقد استثمر نتنياهو وباراك المليارات في الاستعدادات العسكرية الرامية لاقناع العالم بان إسرائيل تعتزم العمل. وعلى مدى فترة معينة نجح هذا التظاهر: فقد قدم مساهمته في تشديد العقوبات. المشكلة هي ان العقوبات لم تنجح: فقد الحقت ضررا كبيرا بالاقتصاد الإيراني، ولكنها لم توقف المشروع النووي.

بغياب عمل عسكري، كان نتنياهو يفضل استمرار العقوبات. وفي الاسابيع الاخيرة اصبح السعي إلى استمرار العقوبات موضوعا لا يقل أهمية عن الصراع ضد النووي فعندما سترفع العقوبات، يقول نتنياهو، فان إيران ستغرق بالمال؛ والمال سيضخ إلى حزب الله وحماس، وسيترجم إلى إرهاب ضد إسرائيل.

لقد كان صراعه ضد الاتفاق مبنيا على الرهان ـ في أنه رغم استمرا العقوبات، إيران ستحذر من الوصول إلى سلاح نووي. وهي ستبقى على الحافة. مع هذا الرهان يتوجه الان إلى مجلس الشيوخ الأمريكي. ولكن الإيرانيين هم الان الجزء الصغير في رهانه. الصندوق كبر؛ اما الاحتمالات فصغرت.

سيكون مجلس الشيوخ في الشهرين القريبين ساحة صراع عنيف بين نتنياهو وادارة اوباما. وحسب ردود الفعل الاولية على الاتفاق، فان كل الشيوخ الجمهوريين سيصوتون ضده. اوباما سيستخدم الفيتو. ومن أجل كسر الفيتو يحتاج نتنياهو إلى 13 شيخ ديمقراطي. سيحصل على بعضهم ـ ولا سيما اولئك المتعلقين بالمقترعين اليهود وبالتمويل اليهودي. الاحتمال أن يصل إلى 13 ليس كبيرا.

ليس كبير لانه في خطابه الكدي في الكونغرس وفي كل تصريحاته منذئذ دفع الديمقراطيين إلى ذراعي اوباما؛ وهو ليس كبيرا لان الرأي العام الأمريكي يحب الاتفاقات التاريخية، ويحب أكثر الاتفاقات التي تبعد احتمال حرب اخرى في الشرق الاوسط. فهم لم يتحرروا بعد من العراق ومن أفغانستان. وليس لهم مصلحة في جبهة اخرى؛ الاحتمال ليس كبيرا لان كل المرشحين الديمقراطيين للرئاسة وعلى رأسهم هيلاري كلينتون يؤيدون الاتفاق؛ والاحتمال ليس كبيرا لان اوباما يتمتع بفترة طيبة، قد تكون الاكثر طيبا في كل سنوات رئاسته

. فجأة تتدبر الامور له. من الصعب هزيمة رئيس في مثل هذا الوضع.

ثمن الصراع ضد اوباما مقلق: وهو يتعلق برزمة التعويضات التي يتوقع جهاز الامن ان يحصل عليها عن حق من أمريكا. فهل سيحرر الصراع البيت الابيض من واجب تعويض إسرائيل؟ نتنياهو يقول لوزرائه انه لا يتأثر بالتعويض. هذه اقوال لاغية. ففي جهاز الامن لا يفكرون هكذا.

هل تدفع إسرائيل اوباما إلى التخلص منها في جبهة اخرى، الجبهة الفلسطينية؟ إذا خرج اوباما بخطة خاصة به، أو أمر بالكف عن حماية إسرائيل في المنظمات الدولية، فان الثمن السياسي، وربما الاقتصادي والمعنوي ايضا، سيكون باهظا. وبالاساس، بالخدمات التي تقدمها إسرائيل لاصحاب المليارات الجمهوريين فانها تضعف اللوبي اليهودي وتفقد تأييد أغلب اليهود. وهي تبيع بكارتها بثمن بخس.

نتنياهو يتصرف كمن هو مقتنع بان هذا هو صراع على مجرد وجود إسرائيل. وهو مخطيء: إسرائيل ستوجد. والكارثة ليست على الابواب.

ان حقيقة أن إسرائيل لم تنجح في احباط الاتفاق بل ولم تنجح حتى في التأثير على مضمونه، هي فشل ذريع. ولكن نتنياهو معصوم عن الفشل: في عالمه توجد فقط امكانيتان ـ إما أن يكون منتصرا أو يكون ضحية. في الانتخابات انتصر؛ في الاتفاق مع إيران هو ضحية. وبدلا من أن يقدم للإسرائيليين حسابا واعيا عما يجري، يبلغهم بان الكارثة على الطريق. فماذا سيفعل الإسرائيليون بحقن التخويف التي يشممهم اياها؟ ايهود باراك جاء امس إلى استديو التلفزيون كي يدخل بعض سواء العقل للإسرائيليين، قليلا من الوعي. كانت هذه نسمة منعشة في يوم حار.

يديعوت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى