مقالات مختارة

نهاية القطيعة عامر نعيم الياس

 

أُعلِنَ الاتفاق النووي بين إيران والدول الستّ الكبرى بعد سلسلةٍ من التصريحات المتناقضة والآمال المتواترة بين التفاؤل والتشاؤم. أسلوبٌ هوليوودي في التشويق والإثارة طبع العملية التفاوضية الأخيرة، وتوقعات بتواريخ محددة للتمديد، ووضع حدٍّ لنهاية العملية التفاوضية. إذ أغفل المراقبون طريقة تمديد العملية التفاوضية في فيينا الرغبة التي تَلفّ الأميركي والإيراني بالتوصّل إلى اتفاق، والقرار الروسي بتشريع أبواب التكتلات والمنظمات التي تشكّل روسيا محورها أمام طهران، والخطوات الاستباقية التي بدأتها موسكو قبيل تويع الاتفاق بأشهر قليلة في ما يخص توريد السلاح إلى طهران، خصوصاً صفقة صواريخ «أس أس 300».

اتفقت إيران والدول الستّ الكبرى على الاعتراف بإيران دولة نووية ودخولها نادي الكبار مع قيود على برنامجها العسكري وفق التعبير المستخدم في الغرب. تنتج إيران الطاقة النووية السلمية في مفاعلاتها الوطنية وتحمي برنامجها العسكري وتحديداً الصاروخي من أي تدخل غربيّ. لكن الأهم من كل ذلك، والنقطة الأكثر محورية في ما جرى من اتفاق مع إيران، هو رفع العقوبات الأممية المفروضة عليها وعبر قرار من مجلس الأمن الدولي لا من الكونغرس الأميركي أو الاتحاد الأوروبي. هو تصويت ملزم أممياً برفع العقوبات المفروضة على الشعب الإيراني ودولته منذ عام 1979، واعتراف بالأمر الواقع الذي أنتجته الثورة الإسلامية في إيران. هو باختصار، إنهاء القطيعة التي وضعت إيران في نادي الدول المعزولة، وفرضت على الشعب الإيراني قبل الدولة تحمّل تداعيات الحظر والحصار التي لا يمكن لأحد أن ينكرها.

على المستوى الداخلي، يعني إنهاء القطيعة الكثير للشعب الإيراني. ويحمل رمزية بالغة التأثير بعودة إيران إلى الحظيرة الدولية والاعتراف بكيانها ودولتها الجديدة القائمة منذ عام 1979. هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية غير المعزولة والمحاصرة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً. هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تملكت التكنولوجيا النووية في عهد ما بعد الثورة الخمينية، رمزية تعني الكثير بالنسبة إلى الشعب الإيراني تتجاوز السياسة والبعد المتعلق بجمهورية ما بعد الثورة إلى الاقتصاد. ويكفي أن نذكر هنا أن قيمة الريال الإيراني ارتفعت مقابل الدولار الأميركي بنسبة 6 في المئة على إثر الإعلان عن اتفاق لوزان في نيسان الماضي. فكيف اليوم مع الإعلان عن الاتفاق، لا البيان الاتفاق كما كان الحال في نيسان الماضي.

البعد الآخر للاتفاق النووي مع إيران يتعلق بالسياسة الخارجية الإقليمية في عدد من الملفات الشائكة في المنطقة. من العلاقة مع دول الخليج وفي مقدمها السعودية، وما يستدعيه ذلك من إعادة تعريف الأمن القومي للخليج والمنظومة الخليجية، فضلاً عن الملف الأميركي الأكثر أهمية والرافع الأهم للتدخل في المنطقة التي تتعلق بما يسمى الحرب على الإرهاب، والدور الإيراني في هذه الحرب سواء عبر إعادة هيكلة تحالف أوباما ضدّ «داعش» وتوزيع الأدوار فيه، أو بالمسار الموازي للحرب على الإرهاب وفق التعريف الذي يتبناه المحور المقاوم والدول الداعمة له لهذا المصطلح.

في المقابل، لا شك أن الدولة الإيرانية وبتوقيعها الاتفاق أضحت في وضع أفضل في ما يخص دعم الحلفاء في المنطقة من سورية إلى العراق إلى اليمن ولبنان والساحات الأخرى للاشتباك المباشر مع واشنطن. فالسؤال الأساس ليس أن تكون إيران دولة نووية وما يستتبع ذلك على سورية وغيرها من دول محور المقاومة، بل إيران المندمجة في المجموعة الدولية والخارجة من القطيعة والتي ستصبح ضمن النظام الاقتصادي العالمي بالكامل ابتداءً من المشاركة الفعلية فيه إلى ما يتعلق بالأمور التقنية كالتحويلات المالية ضمن النظام الدولي وما شابه.

خرجَت إيران باتفاق يعدّ الأكثر مرونة في تاريخ محطات العداء التي قادتها الولايات المتحدة ضد الدول الخارجة عن سيطرتها. أصبحت دولةً غير مارقة وفاعلة ولها كيانها، واعتُرِفَ بحقوقها كاملةً في السيادة داخلياً وإقليمياً. والمؤكد أن إيران ما بعد الاتفاق غير إيران ما قبل الاتفاق وباعتراف الأمم المتحدة ومجلس الأمن والستّ الكبرى.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى