رسالة إلى الرئيس سلام عبدالله بوحبيب
دولة الرئيس،
في رسالتك الى المشاركين في مؤتمر «أزمة تكوين السُلطة» الذي نظمه مركز عصام فارس الخريف الماضي، والذي سيصدر في كتاب هذا الشهر، قلت ان «اتفاق الطائف ليس مشكلة. كان تسوية وضعت حداً لحرب دامت خمس عشرة سنة، واذا كان يحوي عللاً تحتاج الى علاج، فإن الشروع في هذا الامر يحتاج الى توافر شرطين: أولهما تطبيق ما تم تجاهُله حتى الآن من بنود الاتفاق، ثانيهما إنجاز التسوية السياسية الداخلية في صيغة دستورية قابلة للحياة ».
لا يختلف اثنان على تقييمكم اتفاق الطائف واقتراحاتكم الحكيمة لمعالجة ازمة النظام. لكنكم مذ لبثتم في الحكم منذ شباط 2014 لم تطرحوا مرة على مجلس الوزراء أي اقتراح بِهذا الشأن، قبل الشغور الرئاسي وبعده. لم تشر يا دولة الرئيس يوماً الى انكم ستعالجون هذه الازمة المستمرة منذ عام 2005. لا بل، بعدما تصرفتم لوقت طويل كرجل دولة ورئيس حكومة كل لبنان عدت، ربما تحت ضغط حلفائك، الى ممارسة الدور نفسه الذي لعبه أسلافكم خلال زمن الوصاية السورية على لبنان. ان قاعدة هذه الممارسة عدم الاعتراف بمشاركة حقيقية في الحكم والقبول بالقاعدة المشهورة «ما لنا هو لنا وما للمسيحيين هو لهم ولنا».
لم تكن يوماً يا دولة الرئيس قريبا من عهد الوصاية السورية ولا من هذه الممارسة. بل على العكس من ذلك، عارضت الوصاية وقاطعت انتخابات 1992 ووقفت ضد الترويكا زائداً واحداً ودفعت ثمنها غالياً، وتألبوا عليك في انتخابات 2000.
اليوم حلفاؤكم، يا دولة الرئيس، ربما أرادوا انتصاراً في لبنان يرد لهم احتضاناً اقليميا سياسياً ومادياً. طبعاً نصر كهذا لا يمكن تحقيقه بمعاداة حزب الله ومحاربته. فهادنوا حزب الله وجروا لبنان الى مواجهة مع الجنرال ميشال عون من دون ان يعرفوا ان ذلك سيربكهم ويكلفهم غالياَ. لكن ما زال الجميع يأمل في أن توقفوا يا دولة الرئيس الاستمرار في هذا المسار الذي لا ناقة لكم فيه ولا جمل، خاصة وأن ما يجري ليس معركة بين المسيحيين والسنة، وقد انتهى ذلك في اتفاق الطائف. ان المعركة اليوم، في زمن صراع اقليمي مذهبي عميق، بين المسيحيين والسنية السياسية المتجسدة بحلفائكم الذين يعتبرون حيثيتهم الوطنية تأتي من الاعتداء على حقوق المسيحيين، وان وجود نواب مسيحيين في صفوفهم، لا يمثلون بيئتهم، يعطيهم الشرعية الوطنية.
المسيحيون يا دولة الرئيس يريدون شراكة حقيقية حيث يأخذ كل مكون في هذا الوطن الغالي حقه في السلطتين الاشتراعية والاجرائية. يتحقق ذلك:
•اولاً بالاتفاق على قانون جديد للانتخاب منصف وطنيا وميثاقياً وطائفياً ومذهبياً استنادا الى اتفاق الطائف الذي دعت وثيقته الى قانون انتخاب «يراعي القواعد التي تضمن العيش المشترك بين اللبنانيين وتؤمن صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب واجياله وفعالية ذلك التمثيل».
•ثانياً بأن تجري حكومتكم انتخابات نزيهة تطمئن كل المكونات اللبنانية الى انها تتمثل في المجلس الجديد.
ان قيام حكومتكم بالاتفاق على قانون انتخاب والاشراف على انتخاب مجلس جديد هو اشرف ما تستطيع ان تقوم به لخدمة مصلحة لبنان العليا. بعدها يقوم المجلس الجديد بانتخاب رئيس الجمهورية، ومن ثم اختيار رئيس الحكومة وحكومة تنبثق منه، تكون معبرة عن آمال المكونات اللبنانية وأمانيها. كذلك على المجلس الجديد ان يعمل ويشرع لتطبيق اتفاق الطائف.
غير ذلك يا دولة الرئيس يسمح لشلل الدولة وعدم الاستقرار الامني والسياسي، بأن يستمرا، وللطائف بأن تنتهي مفاعيله، وللفوضى بأن تستشري.
لا يمكن للبنان ان يستمر في المعادلة السياسيّة التي ارسيت خلال الوصاية السورية ـ وانتم منها براء ـ ان كان ذلك ممثلاً في الترويكا زائداً واحداً او التمديد للرئيس والمجلس النيابي والموظفين الكبار، او الدوس على الدستور والاعراف والميثاق.
عشر سنوات من التفاهة السياسية تكفي. حان الوقت لأن تمارس الديموقراطية من دون اعوجاج، والشراكة من دون طمع. فالوصاية السورية انتهت، ويجب ان يرحّل معها رموزها ومعادلاتها وممارساتها غير الميثاقية.
ان المسيحيين يا دولة الرئيس ليسوا الضعفاء في المعادلة الميثاقية. هل تتصورون ما سيحصل بلبنان لو، لا سمح الله، اختفى المسيحيون من المعادلة السياسية؟
الجواب حتما سيكون ان السنية السياسية قد تنتهي قبل ذلك ولبنان بلد عربي غير مميز عن غيره بأي شيء.
الدول المعنية بالشأن اللبناني سئمت من تصرفاتنا الصبيانية، في زمن يستطيع لبنان واللبنانيون ان يلعبوا دورا أساسيا في تهدئة الأوضاع في عالمنا العربي المضطرب والمنتفض. في استطاعة لبنان ان يكون ملجأ ونموذجا لفض الخلافات العميقة والمزمنة في مشرقنا العربي.
حان الوقت لأن نتحمّل مسؤولياتنا الوطنية والعربية، وليكن ذلك في عهدكم ورعايتكم يا دولة الرئيس.