لماذا عرقلت السعودية تنفيذ الهدنة الجديدة؟ حميدي العبدالله
مسؤولية المملكة العربية السعودية عن عرقلة تنفيذ الهدنة الجديدة غير المشروطة التي دعت إليها الأمم المتحدة، مسؤولية واضحة لا تحتاج إلى إثبات، فالناطق باسم الجيش السعودي العميد العسيري أدلى بتصريحات أعلن فيها صراحة أنّ الرياض لن تلتزم الهدنة، وفعلاً استمرّ الطيران السعودي في تنفيذ غاراته على امتداد الأرض اليمنية. وبرّر العسيري عدم الالتزام بالهدنة بالقول إنّ أحداً لم ينسّق مع المملكة العربية السعودية من أجل الوصول إلى هذه الهدنة، في حين من المعروف أنّ الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة الذي حدّد الساعة الصفر لسريان الهدنة أكد أنّ جميع الأطراف قد وافقت على هذه الهدنة، ومن غير المنطقي أن تعلن الأمم المتحدة الساعة الصفر لسريان الهدنة، وتؤكد أنّ جميع الأطراف قد وافقت عليها، من دون أن تكون قد أجرت اتصالات مع المملكة العربية السعودية، وهي الطرف الأساسي، بل ربما شبه الوحيد الذي يخوض الصراع في اليمن ويشنّ الحرب الجوية والصاروخية عليه.
إذن ما قاله العسيري من تبرير لعدم الالتزام بالهدنة غير منطقي، ولا يمكن أن يقنع أحداً، لهذا ثمة أسباب أخرى هي التي دفعت حكومة المملكة العربية السعودية لسحب موافقتها على الهدنة بعد أن كانت قد التزمت أمام مسؤولي الأمم المتحدة بالموافقة عليها.
لا شك أنّ الرياض تريد بعث رسالة سياسية ما إلى الأمم المتحدة وإلى الحكومات الغربية، ولا سيما الإدارة الأميركية، وإلا كان بمقدورها أن تعلن التزامها بالهدنة في الساعات الأولى ولو شكلياً، وتعود من جديد إلى خرقها بذريعة أنّ الطرف الآخر لم يلتزم، وبالتالي تدفع عنها تهمة التسبّب في تعطيل تنفيذ الهدنة وتحمّل مسؤولية ما ينجم عن ذلك إنسانياً وسياسياً. لكن ما هي الرسالة أو الرسائل التي أرادت الرياض بعثها إلى الأمم المتحدة وإلى الإدارة الأميركية التي أيدت مبدأ الهدنة، وطالبت بحلّ سياسي للأزمة القائمة في اليمن؟ لا شك أنّ الإجابة الدقيقة على هذا السؤال تحتاج إلى معلومات حول الدوافع الفعلية لحكومة المملكة العربية السعودية، ولكن من الناحية التحليلية يمكن الاستنتاج بأنّ ما دفع الرياض إلى تعطيل تنفيذ الهدنة بهذه الصراحة يندرج في إطار واحد من الاحتمالات الآتية:
احتمال أول، قناعة السعودية بأنّ هذه الهدنة مفروضة عليها من قبل الأمم المتحدة، وهي أرادت من خلال رفضها الصريح الالتزام بها إرسال ردّ قوي على الأمم المتحدة، لكن لو كان هذا الاحتمال هو الذي يفسّر موقف المملكة فكان الأفضل لها أن تبلغ الأمم المتحدة عدم موافقتها أثناء الاتصالات التمهيدية التي جرت.
الاحتمال الثاني، قناعة الرياض بأنّ الهدنة قد تخلق أمراً واقعاً يكرّس المعادلات الميدانية التي رست عليها العملية العسكرية، وهي بكلّ تأكيد ليست في مصلحة السعودية، ولهذا عمدت إلى إفشال الهدنة بشكل صريح على أمل أن يشكل ذلك ورقة في يد الأمم المتحدة والولايات المتحدة للضغط على الأطراف اليمينية بهدف الحصول على تنازلات كثمن لأيّ هدنة.
الاحتمال الثالث، رهان الرياض على فشل مفاوضات فيينا، لا سيما أنّ لحظة دخول الهدنة حيّز التطبيق تزامن مع تقارير تحدّثت عن مأزق المفاوضات بين إيران والحكومات الغربية حول الملف النووي الإيراني.
(البناء)