بعد تراجع فرنسا.. ماذا تنتظرون؟ د. فايز رشيد
ما قاله وزير خارجية السلطة الفلسطينية، عن تراجع فرنسا عن تقديم مبادرتها إلى مجلس الأمن الدولي، بدا كأنه ندب وعويل مثل والدة مفجوعة بوفاة ابنها الشاب في مقتبل عمره. فقد نعى المذكور هذا التراجع كأن المبادرة تمثّل حبل نجاة للغريق الفلسطيني الذي تمثله السلطة. نود سؤال الوزير ورئيس سلطته وكل الذين راهنوا على المبادرة: هل فعلاً كنتم تتصورون نجاحها، وبخاصة بعد رفض نتنياهو والكيان لها؟ ألا تعرفون حقائق ومصائر كل المبادرات السابقة، قديمها وحديثها؟ هل تصورتم نجاحها في الوقت الذي طلب فيه كيري من فابيوس تأجيل طرح المبادرة إلى ما بعد التوقيع النهائي بين مجموعة 5+1 وإيران، على مشروع الأخيرة النووي؟ ألا تدركون شروط نتنياهو التعجيزية للتسوية معكم؟ أما زلتم تعتقدون أن الكيان سيوافق على إقامة دولة فلسطينية؟ ألم تدركوا بعد أن أقصى ما يمكن أن يقدمه الاحتلال هو الحكم الذاتي المنزوع السيادة والصلاحيات؟ وبعد موافقتكم على كل الشروط «الإسرائيلية» ومنها اعترافكم ب«يهودية» «إسرائيل». ألم تسمعوا أن نتنياهو، وحتى من قبل وصول فابيوس إلى الكيان، صرّح ب”إننا نرفض أي إملاءات دولية في ما يتعلق بالنزاع الفلسطيني – «الإسرائيلي»”؟ وفي المؤتمر الصحفي مع فابيوس بعد اجتماع الطرفين، أعلن أن “السبيل الوحيد للحل هو المفاوضات المباشرة بين «إسرائيل» والفلسطينيين”، وشدد على ضرورة اعترافكم ب«يهودية إسرائيل».
بداية، إن المبادرة الفرنسية لا تستجيب حتى لأدنى حقوق شعبنا الفلسطيني. دعونا نستعرض الماضي بإلقاء الضوء على المبادرة الفرنسية الأولى (التي كانت في عهد ساركوزي) والتي انطلقت من: عودة المفاوضات «الإسرائيلية»-الفلسطينية على أساس دولة للفلسطينيين على حدود 4 حزيران/يونيو 1967، وإخضاع القضايا المختلف عليها، كاللاجئين والقدس وغيرهما، إلى التفاوض بين الجانبين، وعقد مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط في باريس، يحضره الجانبان «الإسرائيلي» والفلسطيني، إضافة إلى الأطراف الدولية. هذا هو ملخص المبادرة الفرنسية السابقة، التي بالطبع لم يكتب لها النجاح. المبادرة الجديدة قزّمت الحقوق الفلسطينية أكثر من السابقة، فهي تحمل المضمون ذاته، إضافة إلى إجراء تبادل طفيف للأراضي بين الجانبين، وأن القدس عاصمة للدولتين.
نعم، المبادرة الفرنسية الجديدة رهنت تنفيذ بنودها بالاعتراف الفلسطيني بالكيان ك«دولة يهودية». إن هذا يقطع الطريق على حق عودة اللاجئين الذي شملته قرارات الأمم المتحدة، ويتيح للكيان إجراء “ترانسفير” لأهالي المنطقة المحتلة من فلسطين عام 48، لأن وجودهم في دولة الكيان يتعارض مع مبدأ «إسرائيل» اليهودية. كما يقطع الطريق على وجود الدروز والبدو على أراضيهم في الكيان.
المبادرة تطرح «التبادل الطفيف للأراضي» وهذا يتيح لنتنياهو المزيد من الاستيطان في الضفة الغربية.
كما أن الدولة الفلسطينية العتيدة وفقاً للمبادرة الفرنسية غير معروفة الحدود، وستخضع أيضاً للتفاوض الذي يريده الكيان في لعبة شراء جديدة للوقت.
كل هذا في ظل الوضوح الصهيوني حول بقاء التجمعات الاستيطانية الكبرى على أراضي الضفة الغربية وضمن إشراف وسيادة الكيان عليها.
هذا يتم أيضاً في أجواء التحضيرات لانتخابات رئاسية جديدة في أمريكا، يكون فيها مطلق رئيس أمريكي مثل «بطة عرجاء» مثلما جرى التعبير، أي أنه غير قادر على اتخاذ قرارات حاسمة.
الأمر الذي يشي بإمكانية استعمال حق النقض (الفيتو) على المبادرة، على افتراض أن فرنسا ستطرحها في مجلس الأمن.
حري القول: إنه من قبل، اعترضت وزيرة الخارجية الأمريكية حينها هيلاري كلينتون، على بعض نقاط المبادرة الفرنسية السابقة، وبذلك تم إحباطها في مهدها.
للعلم، وكما أعلنت كلينتون سترشح نفسها لمنصب الرئاسة عن الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية.
ومن المعروف أيضاً أن حملة الانتخابات في الولايات المتحدة في أحد جوانبها تمثل بازاراً للمرشحين في إثبات الولاء للكيان بفعل اللوبي الصهيوني «والتيار الصهيو – مسيحي» في أمريكا.
والجدير ذكره أن فرنسا ألمحت مراراً من خلال الرئيس ساركوزي آنذاك أنها ستمضي في حركتها السياسية في الشرق الأوسط، كان ذلك في مقابلة له مع مجلة «إكسبرس» الفرنسية الأسبوعية.
والمندوب الفرنسي في الأمم المتحدة في عهد ساركوزي صرّح مراراً بأن فرنسا ستتحمل مسؤوليتها إذا لم تُستأنف عملية السلام بين الجانبين «الإسرائيلي» والفلسطيني. ذهب ساركوزي والمندوب، وكالعادة، طارت المبادرة.
شيء آخر يترتب استذكاره، أن مبادئ الرئيس أوباما للحل معروفة تماماً، فهو أعلنها مراراً: ضرورة تعديل حدود عام 1967، مراعاة التغييرات الديمغرافية الجديدة في الضفة الغربية (أي الإبقاء على المستوطنات). الدولة الفلسطينية تكون منزوعة السلاح، لا عودة مطلقاً للاجئين الفلسطينيين، تفهم المطالب الأمنية «الإسرائيلية» وتداعياتها، إلخ، فهل ستختلف مبادرة فرنسا الجديدة عما يقرره الراعي الأمريكي للكيان، وللحلفاء الغربيين، ومنهم فرنسا؟ سؤال ندرك تماماً الإجابة علنه.
نود فقط أن نسأل: وبماذا تختلف المبادرة الفرنسية الجديدة عن المبادىء الأمريكية للحل الذي أعلنه أوباما، ومن قبله كلينتون وبوش الابن؟ ومع ذلك رفض نتنياهو مبادىء أمريكا ولية نعمته للحل، فكيف يتوقع فابيوس نجاح مبادرته؟
من التاريخ أيضاً، قالت كاترين أشتون مفوضة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي سابقاً، وفقاً لتصريح لصائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين حينها: إن مفوضة الشؤون الخارجية الأوربية أبلغت المسؤولين الفلسطينيين المعنيين «إن موقف أوروبا والاتحاد الأوروبي من الطلب الفلسطيني الحصول على عضوية الأمم المتحدة، يعتمد على وحدة موقف دول الاتحاد الأوروبي من هذا الموضوع». تصريح الوزيرة الأوروبية بالغ الوضوح، إلا للذين يكابرون في المراهنة على هذا الموقف.
فوحدة هذا الموقف داخل دول الاتحاد الأوروبي غير متوفرة (فألمانيا على سبيل المثال وليس الحصر) ومن خلال المستشارة الألمانية ميركل، وفي أكثر من تصريح اعتبرت أن (الوسيلة لتحقيق الدولة الفلسطينية هي من خلال الاتفاق بين السلطة الفلسطينية و«إسرائيل»)، وبذلك تنتفي وحدة موقف دول الاتحاد الأوروبي حول الصراع في الشرق الأوسط.
شواهد كثيرة لا يتسع المجال لإيرادها، تؤكد أن أي تحرك فعلي للاتحاد الأوروبي مرهون بالإدارة الأمريكية، بغض النظر عن بعض التصريحات الأوروبية المتقدمة قليلاً في بعض الأحيان.
يبقى..
السؤال الذي نوجهه للقائمين على السلطة: على ماذا تراهنون، وأي مبادرة جديدة تنتظرون؟
(الخليج)