التأثير المحتمل لمكاسب إيران الاقتصادية من الاتفاق النووي على سياستها الخارجية پاتريك كلاوسون
10 تموز/يوليو 2015
سيؤدي الربح الاقتصادي المفاجئ الذي ستجنيه إيران من الاتفاق النووي إلى خلق فرص جديدة لطهران. إلا أن فهم تأثير ذلك التدفق على السياسة الخارجية يتطلب بعض التدقيق في السياق المرتبط بالاقتصاد الإيراني وبنشاطات النظام في الخارج .
إيران ليست بحاجة ماسة إلى [الاستثمارات]
إن إيران، مثلها مثل البلدان الأخرى، لديها احتياجات محلية ملحة ينبغي أن تنفق الأموال عليها، ولكن وضعها في ظل العقوبات بالكاد يصل إلى السوء الذي قد يتخيّله المرء. فهو في الواقع مشابه لوضع الحكومات الغربية من عدة نواحي. أولاً، على صعيد البنية التحتية، قدرت “الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين” في عام 2013 أن احتياجات الولايات المتحدة من البنية التحتية التي لم تتم تلبيتها هي بقيمة 3.6 تريليون دولار، أي 25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وفي الواقع، يمكن القول بالفعل أن البنية التحتية الأمريكية في وضع أسوأ من نظيرتها الإيرانية. وليس هناك شك في أن الجمهورية الإسلامية تعمل على إضافة البنية التحتية بوتيرة أسرع، إذ تبني قطارات أنفاق وطرق سريعة أكثر من الولايات المتحدة وفي مساحة أصغر بكثير. ووفق بيانات “إدارة معلومات الطاقة الأمريكية” التي صدرت في السنوات الخمس الأخيرة، وسّعت إيران من قدرتها على توليد الكهرباء لتصل إلى أكثر من سبعة أضعاف هذا المعدل في الولايات المتحدة.
ثانياً، تحتاج إيران إلى مساكن بأسعار معقولة الثمن وإلى خلق فرص عمل جديدة، ولكن الأمر سيان بالنسبة إلى الولايات المتحدة. ففي الواقع، قد لا تكون الثغرات التي تعاني منها إيران في هذه القطاعات كبيرة بقدر ما هي في الولايات المتحدة عندما تُقاس كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. فإيران تعيش فترة من الاستثمارات الضخمة في مجال الإسكان الاجتماعي، على الرغم من أنه قد تم التخطيط لكثير من هذه الاستثمارات وتنفيذها بشكل سيء، باعتراف الجميع. ومع تقلص عدد السكان في سن العمل، لم تعد حاجة إيران للاستثمارات لتوفير فرص عمل كما كانت عليه قبل عشر سنوات، عندما كان جيل فترة طفرة المواليد ما بعد الثورة قد أدى إلى توسع سكاني قيل أنه بلغ نسبة 3 في المائة سنوياً.
ثالثاً، تحتاج إيران إلى عشرات مليارات الدولارات لدعم صناديق المعاشات لسكانها المُعَمِّرين الذين يزداد عددهم بسرعة. وثانية، إن هذا الوضع ليس فريداً من نوعه، فصناديق التقاعد العامة في الولايات المتحدة تحتاج إلى 3 تريليون دولار إضافية ليتم تمويلها بشكل كامل، بينما يستمر النقاش حول ما يلزم لضمان استمرار استحقاقات الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية على نفس المستوى. إذ يقدر أمناء نظام الضمان الاجتماعي أن “الالتزام غير الممول من خلال الأفق اللانهائي” في البرنامجين بـ 46 تريليون دولار رغم أنه لن يتم الوصول إلى معظم هذا المبلغ سوى في المستقبل البعيد جداً.
رابعاً، لم يكن النمو الاقتصادي الإيراني جيداً في الآونة الأخيرة، ولكن يمكن قول الشيء نفسه بالنسبة للاقتصاد العالمي. إذ تعرضت الدول الصناعية المتقدمة لضربة موجعة جراء الأزمة المالية التي شهدها عام 2008، وتلقى مصدّرو النفط ضربة بسبب انهيار أسعار النفط، ولحقت باقتصادات الأسواق الناشئة سلسلة من المشاكل. ويقيناً، أن إيران مرت بفترة من الركود الحاد ما بين عامي 2012 و2013، ولم يؤدِ عامان من النمو الضعيف إلى إعادة رفع ناتجها المحلي الإجمالي إلى المستويات التي كانت عليه قبل الركود. لكن بقدر ما تبدو هذه النتائج سيئة، إلا أنها أعقبت عدة سنوات من النمو القوي. وقد كان النمو الاقتصادي الإيراني على مدى السنوات الثمانية الماضية جيداً تماماً مثله مثل النمو الاقتصادي الأمريكي: فوفقاً للبنك الدولي، إن الناتج المحلي الإجمالي لكل من البلدين في عام 2015 هو أعلى بنسبة 12 في المائة مما كان عليه عام 2007.
بالإضافة إلى ذلك، حققت إيران هذا النمو من دون تحميل نفسها ديناً عاماً ضخماً. ففي الآونة الأخيرة، تحسر وزير المالية علي طيب نيا على البيانات المحرّفة التي ورثها عن الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، شاكياً من أن الدَيْن الحكومي هو في الواقع 25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وليس الرقم الأدنى المذكور سابقاً. ومع ذلك، بيّن صندوق النقد الدولي أن الدَيْن العام كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي (بما في ذلك ديون الدولة والديون المحلية) في الولايات المتحدة يبلغ 107 في المائة، بزيادة أكثر من 40 نقطة مئوية منذ عام 2007.
وخلال الفترة نفسها، كان وضع معظم الدول الأوروبية أسوأ حتى من وضع الولايات المتحدة وأسوأ بكثير من إيران، إذ كان النمو منخفضاً والزيادة في الديون أعلى نسبة. وفي الوقت الذي تواجه فيه اليونان، التي هي عضو في الاتحاد الأوروبي، انهياراً اقتصادياً، يتمتع الإيرانيون بأسباب وجيهة للاعتقاد بأن اقتصادهم في وضع أفضل من ذلك القائم في أوروبا.
وباختصار، يمكن القول إن إيران، مثلها مثل الولايات المتحدة، تعمل على تلبية احتياجاتها المحلية بشكل جيد، حتى في ظل العقوبات التي تخضع لها، على الرغم من أن مشابهة الأداء الأمريكي الضعيف في الآونة الأخيرة ليس بالانجاز الكبير. وقد يعتبر خبراء الاقتصاد أنه من الأنسب المقارنة بين إيران ومصدّري النفط الآخرين، ولكن نادراً ما يضع الإيرانيون أنفسهم في نفس الفئة مع السعودية والكويت، فهم يقارنون أنفسهم بالدول الغربية المتقدمة. إلى جانب ذلك، فإن الوضع [الإقتصادي] للدول المصدّرة للنفط ليس جيداً هذه الأيام مع انخفاض سعر البرميل. فالعديد من هذه الدول تحافظ على نموها الاقتصادي فقط من خلال [تحمّلها] عجز هائل في الميزانية.
وبالطبع لا يزال القادة الإيرانيون يرغبون في رؤية حدوث تحسن في الاقتصاد. وربما كان ذلك الدافع الرئيسي للتنازل في المحادثات النووية، فالأضرار التي ألحقها الغرب بالاقتصاد المركزي الإيراني كانت في صلب عملية إقناع طهران بالتفاوض بجدية. لكن في الوقت نفسه، استطاعت إيران أن تشق طريقها وسط صدمة العقوبات التي فُرضت عليها في عام 2012، كما أن مشاكلها الهيكلية ليست كبيرة جداً مقارنة مع مثيلاتها في بلدان أخرى، بما فيها الولايات المتحدة. والأمر الأكثر أهمية هنا أن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي لا يعتقد أن تخفيف العقوبات مهم بشكل خاص من الناحية السياسية أو حتى الاقتصادية. ويقوم جزء من هذا التفكير على قناعته الأيديولوجية بأن مقاومة “الغطرسة” الغربية أهم من الازدهار، ولكن الجزء الآخر يستند إلى حد كبير إلى وجهة نظره الصحيحة والقائلة بأن مسار إيران نحو الازدهار يكمن في التنويع ومحاولة الابتعاد عن الاعتماد على النفط فقط.
أسلوب إيران الغير مكلف للحرب
إن تكلفة نشاطات طهران الأكثر إثارة للقلق ليست كبيرة، على الأقل من حيث الميزانية. فعلى الرغم من أن النفقات المحددة للإرهاب والحرب الإلكترونية غير معروفة بالضبط، إلا أن بعض التقديرات تشير إلى أن كلا منها تصل إلى أكثر من مليار دولار سنوياً. أما بالنسبة إلى البرنامج النووي، فإن الميزانية الرسمية لـ “منظمة الطاقة الذرية” الإيرانية بلغت حوالي 300 مليون دولار سنوياً، ومن المرجح أن التكلفة المالية المباشرة للبرنامج لا تتعدى 1 إلى 2 مليار دولار سنوياً. أما فيما يتعلق بالدعم الإيراني للميليشيات الطائفية في العراق وسوريا، فحتى أعلى التقديرات تصل فقط إلى 2 مليار دولار سنوياً على النحو التالي: معاشات شهرية بقيمة 300 دولار لـ 140 ألف مقاتل إلى جانب 900 دولار شهرياً لكل مقاتل للأسلحة والإعالة. وقد يتطلب دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد بضعة مليارات من الدولارات سنوياً، ولكن حيزاً كبيراً من التمويل الإيراني لم يأتِ نقداً حتى الآن بل على شكل نفط لم يكن بإمكان طهران على خلاف ذلك بيعه بسهولة (بسبب العقوبات وظروف السوق السيئة). كما أن العمليات المتعددة الأخرى التي تقوم بها طهران في العراق وسوريا قد تكلف 1 إلى 2 مليار دولار أيضاً، بدءً من الرشاوى ووصولاً إلى المعونات الإنسانية.
وبالتالي، فإن الثمن الإجمالي لكافة هذه النشاطات التي تطرح إشكالية يبلغ حوالي 10 مليارات دولار سنوياً. لكن حتى هذه القيمة القصوى تشكل أقل من 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الذي هو في النطاق الممتد ما بين 400 مليار دولار وتريليون دولار، وفق الطريقة التي يحوّل المرء من خلالها العملة الإيرانية – التي تعاني من الصعوبات – إلى الدولار الأمريكي.
كيفية استخدام إيران لربحها الاقتصادي المفاجئ
لكي نفهم النسبة التي قد تُخصص من الربح الاقتصادي – في أعقاب التوصل إلى اتفاق نووي – لتلبية الاحتياجات الإيرانية المحلية الملحة، من المفيد أن ننظر إلى ما فعلته الولايات المتحدة بوارداتها ذات القيمة الأكبر بكثير والناتجة عن الطفرة في إنتاج النفط والغاز خلال السنوات القليلة الماضية. فبدلاً من إيجاد طرق للاستفادة من هذه الأموال لمعالجة عدم المساواة الاقتصادية والبنية التحتية المتهالكة، أنفق الأمريكيون غالبية هذه الأموال بشكل مماثل للنفقات السابقة، ويعني ذلك الإنفاق بشكل محدود على الاحتياجات الاجتماعية أو الاستثمارات الحكومية.
وإذا اتبعت إيران نفس المسار الذي تتبعه في الوضع الراهن، فإن الغالبية العظمى من عائداتها ستستخدم للأغراض الداخلية، ولكن يمكن أيضاً أن تنفق نسبة معينة من هذه العائدات على اتخاذ القرارات المتسرعة والمخاطرة خارج البلاد. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، أنفق صانعو القرار الإيرانيين مليارات الدولار في سعيهم إلى النفوذ الإقليمي على الرغم من كونهم مقيدين بإحكام بسبب العقوبات، مما يبيّن الأولوية العالية التي أولوها لهذا الهدف. وربما تتغيّر أولوياتهم بمجرد التوصل إلى اتفاق نووي، ولكن هذا الافتراض هو أكثر من مجرد تفاؤل بسيط.
قلة ترابط السياسة الخارجية بالاقتصاد
تشكل إيران قوة اقتصادية كبيرة طورت طرقاً غير مُكلفة لتحدي الفريق المقرب من الولايات المتحدة، بدءً من نشر القوة الناعمة والرشاوى وصولاً إلى أدوات الحرب منخفضة التكلفة مثل الإرهاب والميليشيات المتطرفة. لذلك، فإن القيود المفروضة على سياستها الخارجية لم تكن، وليس من المرجح أن تكون، اقتصادية بالدرجة الأولى. فحسابات طهران حول ما إذا كان يجب أن تكون أكثر حزماً في الخارج هي أقل عرضة للتأثر بالحسابات الاقتصادية من تأثرها بآفاق النجاح السياسي التي تراها بشكل أو بآخر، مثل زيادة نفوذها في البلدان التي تتدخل فيها أو توفير تعزيز داخلي لموقع القيادة. كما أن إطلاق العنان للموارد الإضافية إثر التوصل إلى صفقة نووية ستضع إيران في وضع أفضل لإنفاق المزيد على اتخاذ القرارات المتسرعة والمخاطرة خارج البلاد، إلا أن العوامل الأساسية التي تحدد نطاق هذه النفقات وطبيعتها تبقى سياسية وليست اقتصادية.
باتريك كلاوسون هو مدير الأبحاث في معهد واشنطن.