الحريري والمكابرة العقيمة
غالب قنديل
التصميم الذي أبداه الرئيس سعد الحريري على تكرار مواقفه العدائية ضد سوريا والرئيس بشار الأسد وحزب الله وإيران في خطابه هو نسخة مكررة من الوصفة الأميركية السعودية التي تقرن ادعاء مكافحة الإرهاب التكفيري بمعاداة القوى الوحيدة التي تتصدى له جديا على الأرض في سوريا والعراق ولبنان واليمن وبصورة تظهر عجزا فاضحا عن التفكير الموضوعي ومراجعة الخيارات السياسية في ضوء التطورات الواقعية.
أولا إنكار الواقع يتبدى بقوة في هذا المنطق الانفصامي بينما لايستطيع زعيم تيار المستقبل ان ينسب لحزبه دورا جديا في مقاومة التكفير الإرهابي الذي تمارسه فصائل القاعدة وداعش وتنظيم الأخوان المسلمين سوى التشغيل المستمر لأسطوانة الاعتدال والتباهي بالخطوات التي اتخذتها حكومة الرئيس سلام ووزير الداخلية نهاد المشنوق بفعل معادلة التوافق اللبناني على مواجهة الإرهاب التكفيري بعد إفلاس منصات العدوان على سوريا من لبنان وفشل محاولات إثارة الفتنة المذهبية وانتهاء دور تلك المنصات في الشمال والبقاع بفعل تحولات الميدان السوري نتيجة مبادرات الجيش العربي السوري وحزب الله في القصير والقلمون .
عندما سد معظم معابر التسلل والتهريب إلى سوريا على الحدود صارت بؤر تخزين السلاح ومراكز إيواء الإرهابيين شبه مشلولة وارتدت بمخاطرها وانعكاساتها إلى الداخل اللبناني كما حصل في طرابلس وعرسال وكما برهنت التجربة التي كلفت الجيش اللبناني كثيرا من الشهداء والمصابين وصولا إلى العسكريين المخطوفين.
ثانيا يتعمد الحريري طمس التطورات التي لجمت دور المستقبل في العدوان على سوريا وهو يخشى مكاشفة الجمهور الذي ورطه في ذلك تحت تأثير اكاذيب جيفري فيلتمان وبندر بن سلطان ورهاناتهما الخادعة على انقلاب الوضع السوري وهو طبعا يطمس حقيقة المداخلة الأميركية التي ألزمت المملكة السعودية والحريري نفسه بإسقاط الفيتوات التي منعت تشكيل الحكومة تسعة أشهر وأوجبت الانتقال من الحملات العدائية إلى قبول الحوار برعاية الرئيس نبيه بري .
تلك المداخلة الأميركية لاحتواء فشل الحريرية تضمنت طلبا صريحا بالانخراط في دعم جهود الجيش اللبناني وتحريك قوى الأمن الداخلي في ملاحقة اوكار الإرهاب والتكفير التي أقيمت في حضن المستقبل وكانت تلك الأوكار تنذر بخطر انفجار داخلي كبير كان سيرفع من السقف السياسي لقوى الثامن من آذار في مجابهة المتورطين كما أنها شكلت تهديدا داهما بارتداد سريع للإرهابيين من لبنان نحو الغرب تجمعت معلومات اميركية وأطلسية كثيفة بشأنه عبرت عنها التقارير الاستخبارية المتلاحقة التي اتاحت للأجهزة اللبنانية تسديد ضربات موجعة لخلايا داعش والنصرة وقد تزامن ذلك كله مع خشية سعودية ملحة من تفكك تيار المستقبل وتجويفه لحساب القاعدة وداعش لدرجة أوجبت طلب تأجيل الانتخابات النيابية والتمديد للمجلس النيابي.
ثالثا يتبدى الانفصال الكامل عن الواقع برفض دور حزب الله في الدفاع عن لبنان ضد خطر التكفير الإرهابي وما حققه ذلك الدور من نتائج أهمها الاستقرار النسبي القائم وكذلك يتنكر الحريري لما قام به حزب الله وطنيا وسياديا بتحرير أراض لبنانية تحتلها داعش وجبهة النصرة .
الواقع يقول إن الجيش العربي السوري وقوات الدفاع الوطني السورية وسائر الوحدات الشعبية المساندة يتقدمها حزب الله والحزب السوري القومي من لبنان وكذلك الجيشين العراقي واليمني والوحدات الشعبية المساندة لهما ومع هذه القوى الثقل الإيراني الداعم والمساند هم جميعا يشكلون الكتلة الحية المقاتلة التي تدافع عن المنطقة والعالم ضد وحش التكفير وامتدادا لإنكار هذه الحقيقة الواقعية يواصل الحريري تورطه في اللعبة الجهنمية التي قامت على خديعة ما يسمى ” الثورة السورية ” وعلى المتاجرة بآلام الشعب السوري سياسيا كما تمت المتاجرة بقضية النزوح التي درت مئات الملايين على نافذين كبار في تركيا ولبنان ومديري أوكار الفساد الإغاثية الدولية والخليجية التي استوطن بعضها في لبنان منذ انطلاق العدوان على سوريا.
التلطي خلف شعار دعم الجيش لم يعد سوى ستار لفظي فالشيخ سعد لم يقل شيئا عن الهبة المالية التائهة ولا عن الصفقة الفرنسية المخفية فدعم الجيش اللبناني يعني تلبية احتياجاته تجهيزا وتسليحا وهو لم يتلق ما يتناسب مع الوعود الرنانة والأرقام الضخمة بينما يستمر رفض الحريري قبول الهبة الإيرانية بدافع الكيد السياسي تلبية للتعليمات الخارجية . في الحصيلة وبدلا من مراجعة السياسات الخاطئة بعقلانية يختار الرئيس الحريري طريق المكابرة العقيمة في زمن التحولات الداهمة التي قد تفرض عليه انقلابا مفاجئا لن يكون لديه ما يكفي من الوقت لتبريره.