نصر الله: سورية فلسطين والاستنزاف المتبادل عامر نعيم الياس
لا يفوّت أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله مناسبةً يتحدّث فيها، إلا ويضيف محدّدات جديدة، وينزع أسقفاً من مكانها، ويؤسّس لمستويات مختلفة من التعاطي مع العدو والصراع معه. هنا صار العدو بعد الربيع الأميركي، وتحديداً الأحداث في سورية والتطورات في اليمن، واسع الطيف. فالصراع مع العدو الصهيوني وإن كان بوصلة العداء الرئيسة لحزب الله على كافة المستويات، وفي صلب العقيدة القتالية للمقاومة، إلى أن «طريق القدس تمر عبر سورية». هكذا أراد السيّد وهكذا كان. ليس عبر «جونية» بل عبر «دمشق والقلمون ودرعا والسويداء وغيرها من المدن في سورية، لأنه إذا سقطت سورية سقطت فلسطين». الأعداء هنا كثر وحتى لو كان جلّهم داعماً وحاملاً ورافعاً وحليفاً للكيان الصهيوني. فمن السعودية التي قال عنها السيد أنها «تقدّم أكبر خدمة لإسرائيل، التي تعمل وتساعد باستخباراتها وبأشكال مختلفة على تسعير الحروب في المنطقة»، إلى الولايات المتحدة التي تدير اللعبة في سورية التي أصبحت منذ اليوم «طريق القدس»، حيث يختلط الشرعي بالإرث المقاوم بالعقائدي الوطني بالقضية المركزية عند محور المقاومة، بأساس الرهان الأميركي الأطلسي. وهي سورية، تلك الدولة التي أضحت محور المحاور المتصارعة في المنطقة، وأساس العمل للقضايا الكبرى من الصراع العربي ـ الصهيوني إلى الحرب على الإرهاب إلى الدفاع عن الخريطة الحالية كما هي في الوقت الحالي. على أن يتم تغييرها وفقاً لمتطلبات محور المقاومة لا محور «تل أبيب» ـ الرياض ـ واشنطن بطبيعة الحال.
يعي السيد نصر الله جيداً ما الذي يريده الأميركي. هو حاول في يوم القدس وفي الملف السوري تحديداً أن يربط كافة مفاصل الحراك الدولي الإقليمي الميداني للمحور المقاوم من دمشق وإليها. وأشار في ملف الحرب على سورية إلى أن « الذين يعدّون الأيام لتغيير الوضع في سورية بأن يكفوا عن ذلك». وقال «إن سورية لن تسقط عسكرياً، وهي صامدة وستصمد، ومن معها سيبقى معها، ومن يراهن على إسقاطها فسيخوض حرباً طويلة ولن يصل إلى نتيجة». في هذا الإطار يحاول السيّد إيصال عدة رسائل باتجاهات متعدّدة. أولها أن الحزب يعي حقيقة الاستراتيجية الأميركية في سورية القائمة على الاستنزاف حتى اللحظة، والرهان على تغيير الواقع الميداني على الأرض تمهيداً للعمل على الحلّ السياسي، أو بمعنى آخر فرضه على القيادة السورية. وعليه، فإن الرهان على الاستنزاف في سورية هو رهان متبادل إن أرادت واشنطن الاستمرار في ذلك. والرسالة الثانية، أن الحل السياسي في سورية يبقى الأساس، وإن أدركت الولايات المتحدة أن الاستنزاف ليس من طرف واحد فلا مانع لدى محور المقاومة من السير في أيّ مبادرة متوازنة بما فيها تلك التي طرحتها أو تحاول موسكو بلورتها. أما الرسالة الثالثة فهي للكيان الصهيوني، وهو الذي يدرك معنى مرور طريق القدس من سورية أكثر من غيره. فبعد الجبهة الموحّدة للمقاومة من جنوب لبنان إلى جولان سورية، تأتي القدس ودمشق والقتال على الأرض السوري لتضفي بعداً آخر لوجود حزب الله في سورية. هذا الوجود الذي يبدو أنه قابل للتطور ومفاجآت كمية ونوعية ستفاجئ الجميع إن اقتضى الأمر، وصولاً حتى التعبئة العامة التي قال السيّد في خطابه الماضي أنه حتى اللحظة ليس بحاجة إلى إعلانها، وإن لمس حاجةً إلى ذلك فهو سيدعو إليها.
صراع مصير على سورية ووجود بالنسبة إلى المحور المقاوم، حتى القدس باتت في قلب دمشق. لا يترك الحزب أصدقاءه فكيف إن كانت دولة باتت طريق الحزب إلى فلسطين شأنها شأن الجليل الأعلى ومستوطناته وأراضيه. هنا يختلف معنى القتال وهدفه، وحتى جغرافيته. فسورية «الضرورية» هي سورية الحالية لا سورية التي يريدها الغرب.
(البناء)