كيف أجهض حزب الله «الاستراتيجيّة» السعوديّة لاستفراد عون؟ ابراهيم ناصرالدين
«الشجرة» التي تحدث عنها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الاخير، في توصيفه للمأزق السعودي في اليمن، والحاجة السعودية الملحة للنزول عنها، تقابلها «شجرة» لبنانية وضع تحتها السيد نصرالله «سلما» علّ تيار المستقبل ينزل عليه بهدوء، قبل ان تخرج الامور عن السيطرة ويضطر «للهبوط اضطراريا» مع ما يمكن لتلك «الوقعة» ان تتسبب باضرار قد تكون مكلفة اذا استمر «التيار الازرق» في حساباته الخاطئة المبنية على امكانية الاستمرار في «لعبة» استفراد رئيس تكتل التغيير والاصلاح الجنرال ميشال عون. من هنا جاء كلام السيد واضحا باستعداد حزب الله لدعم حليفه دون قيود او حدود تاركا «لخيال» الخصوم في الداخل والخارج البحث في تلك الخيارات… فما هي «قصة» تورط «المستقبل» في المواجهة المفاجئة مع «الجنرال»؟ ولماذا يريد السيد نصرالله «هبوطا سالما» للمستقبل؟
بحسب اوساط ديبلوماسية في بيروت، وقبل فترة وجيزة لا تتعدى الاسابيع القليلة، اخضعت السعودية كامل «اوراقها» في المنطقة لاعادة تقويم جدية، في اطار مراجعة شاملة للقدرات، لمواجهة تداعيات احتمال توقيع الاتفاق النووي الايراني، وجاء التقييم كالاتي: اتفاق الغرب الشامل مع إيران واقع لا محالة، الوفود التجارية تتوالى على طهران من مختلف الدول وعلى رأسها الدول الأوروبية والولايات المتحدة، لضمان حصتها. الرئيس باراك اوباما يراهن بشكل كبير على ترك «بصمة تاريخية» ستنعكس بشكل دراماتيكي على إعادة ترتيب الأوراق السياسية وتغيير التحالفات ومجرى الأحداث في المنطقة. وبدأ يلوح في الأفق كيف ستنعم إيران بالهبات السياسية والاقتصادية للاتفاق، فالولايات المتحدة الأميركية تريد تحويل «محور الشر» إلى «قوة إقليمية فاعلة ومؤثرة جديدة» تخدم مصالحها الجيو- استراتيجية في تطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد وإعادة ترتيب الأوراق بالشكل الذي يعزز الموقف الغربي مقابل روسيا. هذا التحذيرحمله في «جعبته» ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى موسكو، طبعا سمع كلاما لايعجبه في هذا الصدد، كما توصلت القيادة السعودية الى خلاصة مفادها ان إطالة فترة المفاوضات النووية و«المناورات الهامشية» للوفدين المفاوضين الأميركي مقصودة بهدف الايحاء بأن الدول المفاوضة بذلت الوقت الكافي من أجل التوصل إلى صيغة ترضي الجميع، وأخذت بعين الاعتبار جميع المتطلبات، وتوصلت الى الحل «المتاح» وهذا يضعف موقف الدول المعارضة لهذه الصفقة الاستراتيجية. لهذا كان المطلوب خطوات سريعة للتاثير في الاحداث.
وما كان يدور في «الكواليس» وظهر للعيان ميدانيا، عبر عن جزء منه كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي تحدث قبل ايام عن التحالف الاستراتيجي العربي الذي يجب ان يرتكز على السعودية ومصر لمواجهة المد الإيراني، وقال بوضوح ما تعمل عليه السعودية، «الهلال الفارسي» سيهزم امام «القمر» العربي. وانطلاقا من هذه المعطيات شملت عملية التقويم الجبهات المشتعلة والاخرى «الخامدة»، ولم يعد سرا ان ما شهدته الحرب في سوريا من تطورات دراماتيكية في الشمال والجنوب ومحاولات احداث تغييرات ميدانية جذرية على خطوط التماس في اكثر من منطقة كانت تطبيقا عمليا لهذه الاستراتيجية. وفي هذا السياق برز التعاون السعودي- الأردني- الاسرائيلي في مشاريع محددة من بينها توحيد قوى المعارضة السورية المسلحة في جنوبي سوريا، فاطلقت «عاصفة الحسم» الاخيرة، وفي السياق احيا الاردن مشاريع تسليح العشائر السنية في العراق وسوريا، وابدت الرياض اهتماما بتعزيز الدور الأردني في الأنبار العراقية وفي درعا السورية، اسرائيل قامت بدورها من خلال الضغط على مقاتلي «جبهة النصرة» لخلق مناطق آمنة للدروز في السويداء، وتعهدت الرياض بتمويل برنامج تسليحي بدفعة أولى مقدارها 50 مليون دولار في حال الحصول على موقف واضح من القيادة الروحية والسياسية الدرزية بالتخلي عن نظام الرئيس السوري بشار الاسد او بالحد الادنى الوقوف على الحياد.
وفي السياق تم افشال مؤتمر جنيف اليمني، وجرى تعزيز العلاقات مع «المحور» المتضرر من هذا الاتفاق، وعند الوصول الى الساحة اللبنانية جاءت نتائج التقويم الاشد قتامة على الاطلاق، بعد ان تبين من خلال البحث في الامكانيات المتاحة ان تيار المستقبل عاجز عن مجاراة الجبهات الاخرى، وغير قادر على مواكبتها لاحداث «ثغرة» يمكن النفاذ منها للضغط على حزب الله، «الضلع» الاكثر فعالية وتأثيرا في المحور الاخر. عند هذه النقطة، تقول اوساط في 8آذار، انطلق البحث عن دور يناسب امكانيات «التيار الازرق» في «الاستراتيجية» السعودية، تكون اضراره الجانبية قابلة «للهضم» ولا تؤدي الى خسارة ما تبقى من نفوذ للمملكة في لبنان. ووقع الاختيار على ما جرى تصنيفه بانه «الخاصرة الرخوة» لدى «الخصوم»، لاحداث هذا «التصدع» في «الجبهة المقابلة»، وهذا الامر لا يتطلب الكثير من الجهد ويمكن حصر نتائج تداعياته بسهولة. «الفكرة» بسيطة يتراجع الرئيس سعد الحريري عن اتفاقاته المنجزة مع الجنرال ميشال عون، بعض المناورات في مجلس الوزراء، وهذا كاف لاستفزاز الرجل وارباك حلفائه، هذا هو المطلوب لا اكثر ولا اقل. ليس في الامر تواضع وانما «قلة حيلة» وفقدان للقدرة على الدخول في مواجهة قاسية مع حزب الله في مرحلة يعرف فيها الطرف الاخر ان الحزب لا يقبل اي «مزاح ثقيل».
طبعا جاء الرد «العوني» كما كان متوقعا، تضيف الاوساط، لكن «الازمة» لم تنفجر في «وجه» حزب الله كما كان مقدرا لها، فقيادة الحزب نجحت في «امتصاص» «غضب» الجنرال وتركته يعبر عن سخطه بالطريقة التي يراها مناسبة، مع «خط احمر» عنوانه الحفاظ على الحكومة، وتم وضع ضوابط «للعبة الشارع»، وخرج الحزب من «المشهد»، ولم يتراجع عن دعمه لخيارات عون، رغم «الرسالة» الامنية من السعديات، ولم ينجح «المستقبل» في «رمي الكرة» «الملتهبة» في «حضن» الحلفاء، فتمايز رئيس المجلس النيابي نبيه بري ليس كافيا لاعلان الانتصار، «فالكيمياء» بينه وبين «الجنرال» غير مكتملة اصلا، والخلافات «التكتيكية» مع الحلفاء المسيحيين غير مؤثرة، وطالما ان الحزب لم يدخل في صدام مع عون، فان كل هذا «الصخب» غير مجد، وانتهى «الدور الصغير» «للمستقبل» مرة جديدة الى فشل ذريع.
وربما نسي «المستقبل» ان اولويات حزب الله المعلنة في سوريا، وترجمتها العملية الواضحة على مختلف جبهات القتال، يتوازى معها بالاهمية العمل على عزل الداخل اللبناني عن «المغامرات» السعودية، فالتفاهم الايراني الغربي سواء تم او ارجىء الى مرحلة لاحقة، ستترتب عليه تداعيات يدرك حزب الله ان الساحة اللبنانية لن تكون بمنأى عن ارتداداتها، وما يهم الحزب هو انتقال «سلس» يسمح للجميع «بهضم» النتائج. وفي هذا السياق لن يسمح لاحد باستفراد حلفائه، ولن يتوانى عن حمايتهم، وهو قادر على حماية «ساحته»، وفي الوقت نفسه لا يريد التفريط بتيار المستقبل كونه «شراً لا بد منه» في غياب شريك سني قادر على ملء الفراغ. لذلك يبدو السيد نصرالله اكثر حرصا من كثير من قيادات المستقبل «المتهورة» على تأمين «هبوط آمن» «للتيار الازرق» من فوق «الشجرة»، وهو يلعب دورالطبيب المعالج لمريض «نفسي» ويسعى لمنعه من «الانتحار».
(الديار)