واشنطن في حلب تختلف عن إدلب ولكن! عامر نعيم الياس
قادت الولايات المتحدة الأميركية الهجوم الأخير على محافظة إدلب، وتحديداً على عاصمة المحافظة. مراكز الأبحاث الأميركية لم تنكر ما جرى، لا بل توسّعت في شرح نوعية السلاح والإشراف الأميركي على تسويقه وتسليمه للميليشيات الإسلامية المتطرفة، التي شنّت الهجوم على المحافظة تحت مسمى «جيش الفتح»، وبقيادة «جبهة النصرة». هذا الجيش الذي لم يقدّر له الاستمرار في تقدمه إلى مناطق في محيط إدلب وصولاً إلى فتح طريق حماة من جهة الغاب، أو التقدم باتجاه مدينة اللاذقية. فالجيش السوري نجح في ضبط الاستقرار وتثبيت خطوط التماس.
في السياق ذاته، وعلى جبهة الشمال السوري، بدأت الميليشيات الإرهابية هجوماً على مدينة حلب، وتحديداً على أحيائها الغربية التي تقع تحت سيطرة الدولة السورية, وقد قام الهجوم هذه المرة على أكتاف تحالفين منفردين يضربان معاً إنما لا يعملان معاً. الأول أعلن عن تأسيسه في العاشر من أيار الماضي تحت مسمى «جيش الفتح» في محاكاة لتجربة إدلب، ومحاولة لتعميم نموذج «الفتح» الأميركي كحاضنٍ لما يمكن أن يسمى المجموعات المعتدلة. إذ صار ما يسمى «الجيش الحر» جزءاً من «جيش الفتح» لا العكس، وقد ضم التحالف الجديد 21 فصيلاً أهمها «حركة نور الدين الزنكي»، «جيش المجاهدين الفرقة 101»، «الفرقة 13»، «جيش الإسلام» وغيرها. أما التحالف الثاني فقد ميّزه عن تجربة «جيش فتح» إدلب قيادة «النصرة» له وترك «جيش فتح» حلب وحيداً، وقد تمَّ تأسيسه بشكلٍ مفاجئ تحت مسمى «أنصار الشريعة» ويضم 13 فصيلاً قاعدياً على رأسهم «جبهة النصرة» الذراع الرسمية لـ«القاعدة» في سورية، «حركة أحرار الشام»، «أنصار الدين»، «أنصار الخلافة»، «فجر الخلافة». وقد بدأ التنظيم الجديد عملياته عقب يومين على إعلان تأسيسه. وقد كانت المفاجأة أن «النصرة» التي تشكل القوة الضاربة في «جيش فتح» إدلب لم تستطع إحداث اختراق مباشر في جبهة الزهراء التي شكّلت محور هجوم «أنصار الشريعة»، فيما استطاع «جيش الفتح» خرق بعض التحصينات الموجودة للجيش السوري حول مبنى البحوث العلمية، حيث يقود الجيش السوري والقوات الرديفة هجوماً مضاداً لاسترجاعها حتى لحظة كتابة المقال، مانعاً إرهابيي التجمّع الذي تشكل كتائب «نور الدين زنكي» القوة الضاربة فيه من التقدم باتجاه الأحياء الغربية في حلب.
مما لا شك فيه أن تشكيل تحالفين منفردين ومستقلين بعضهما عن بعض لقيادة الهجوم في حلب، يعكس عدة أمور أهمها عدم قيادة الولايات المتحدة بالكامل للعمليات، وعدم قدرتها على توحيد الميليشيات المسلّحة في حلب، واختلاف توازن القوى في حلب عنه في إدلب، إذ يتّضح بما لا يَدَع مجالاً للشك افتراق مصالح الأطراف المتصارعة في حلب تحديداً عن غيره من مناطق سورية. فـ«جبهة النصرة» التي قادت التقدم الميداني في إدلب برضا واشنطن، استبعدت من فتح حلب بأمر من واشنطن. أما أنقرة التي سخّرت نفوذها وحدودها مع إدلب لخدمة الإدارة الأميركية، فهي ابتعدت عنها في حلب لأسباب تتعلق أولاً وأخيراً بأهمية المدينة السياسية والاقتصادية والرمزية، والحسابات الدقيقة للأبعاد الجيوسياسية والاستراتيجية والتفاوضية لامتلاك النفوذ الراجح في مدينة حلب. وفي هذا السياق شككت صحيفة «نيويورك تايمز» بما جرى في حلب مما أسمته «الخلافات الواضحة بين الجماعات المتمردة حول كيف ومن سيحكم حلب؟».
لا تقود الولايات المتحدة كامل الهجوم على مدينة حلب لكنها تتقاطع مع أنقرة والدوحة بضرورة السيطرة على المدينة، الأمر الذي من شأنه أن يدفع باتجاه واحدٍ من أمرين: الأول، أن يستمر العمل المنفرد في حلب بانتظار تبلور خريطة جديدة لسيطرة الميليشيات المسلحة تسمح لطرف بتغليب قوته على الطرف الآخر. أما الثاني، وهو الأكثر احتمالاً أن تُجرى محاولات لتنسيق الهجوم بين التشكيلين المنفردين أكثر عبر غرفة عمليات مشتركة تضع تغيير الواقع الميداني هدفاً على رأس سلّم الأولويات. فيما تؤجل الخلافات إلى مرحلة ما بعد الوصول إلى تغيير الخريطة الميدانية.
(البناء)