بقلم غالب قنديل

هل يتفكك حلف العدوان ؟

arm 055 w450

غالب قنديل

طرحت تصريحات الرئيس فلاديمير بوتين تساؤلات عن مستقبل حلف العدوان على سوريا وفرص اتخاذ حكومات إقليمية متورطة في هذا الحلف لخيارات جديدة نتيجة إعادة النظر في حساباتها واولوياتها بناء على مأزق مخطط النيل من سوريا وبعد صعود خطر ارتداد الإرهاب في كل منها والأمر يتناول بالتحديد كلا من تركيا الأخوانية والمملكة السعودية وبنسبة معينة الحكومتين الأردنية والقطرية .

أولا بذلت الإدارة الأميركية جهودا سياسية كبيرة خلال السنوات الخمس الماضية لتعيد رص صفوف حلف العدوان على سوريا كلما ظهرت تعارضات ومناكفات كانت أخطرها وأطولها مدة الأزمة التي عصفت بالعلاقات السعودية مع كل من تركيا وقطر والتي لم تصل إلى القطيعة او وقف التنسيق في العدوان على سوريا رغم شراسة المنافسة السياسية والمناكفات الإعلامية المعلنة وقد تم احتواؤها بتحرك اميركي مباشر سبق العدوان على اليمن .

بعد مصالحة الرياض والدوحة واسطنبول تم تفعيل غرف عمليات العدوان على سوريا التي قادت موجة الاندفاعات العسكرية الأخيرة لجبهة النصرة وحلفائها في الشمال السوري وكذلك الهجمات الفاشلة لخليط التكفيريين والمرتزقة في الجنوب والجولان وقد دفعت عبر الحدود التركية والأردنية جحافل من المقاتلين المدربين والمجهزين تخطت حسب تقديرات الخبراء ثلاثين ألفا.

تزامنت المصالحة السعودية القطرية التركية مع دور بارز لتنظيم الأخوان المسلمين في العدوان على اليمن إلى جانب فصائل القاعدة وداعش وبدعم سعودي مباشر بينما برز الدور الصهيوني بنسبة أعلى من المراحل السابقة على تخوم الجولان بتقديم مساندة صريحة لجبهة النصرة إلى جانب التقدم في العلاقات السعودية الصهيونية  وتنشيط غرفة عمليات الأردن كموقع محوري في العدوان الذي وظف لحسابه مسعى النائب اللبناني وليد جنبلاط لتسويق التعامل مع القاعدة والعصابات العميلة تحت شعار الحياد الذي فضحته قلب لوزة الإدلبية  كما أحبطه أهالي السويداء وحضر والجولان بوقفة قومية مشرفة ونابذة للمفردات الطائفية وللحسابات الجنبلاطية الأردنية وشتى الوصفات  المسمومة .

ثانيا  أعلن الرئيس  باراك اوباما رفضه الصريح لاقتراح الرئيس فلاديمير بوتين حول قيام حلف إقليمي بين سوريا والدول الشريكة في حلف العدوان بقيادة اميركية انطلاقا من ضرورات التصدي للتحدي الإرهابي في المنطقة ومن حتمية التعاون بين الدول المهددة والدولة الوطنية السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد وهذه الفكرة التي طرحها الرئيس الروسي جاءت بعد سلسلة لقاءات عقدها مع موفدين ومسوؤلين كبار من الدول المعنية ولا سيما من المملكة السعودية وتركيا وبالتالي فهي حاصل استنتاج الرئيس الروسي أن الرياض وأنقرة تعيشان هاجس الفشل في سوريا إلى جانب تقدم أولولية مواجهة خطر ارتداد الإرهاب وتوسع انتشاره الإقليمي والدولي مما يتيح افتراض نشوء استعداد لدى الدول المهددة للتواصل مع الدولة السورية التي تقاتل جماعات الإرهاب متعددة الجنسيات العابرة للحدود رغم تورط الحكومات الإقليمية التابعة للغرب في دعم وتمويل المنظمات التكفيرية في سوريا ولا سيما السعودية وتركيا والأردن وقطر.

كلام الرئيس باراك أوباما مؤخرا عن سوريا والرئيس الأسد جاء بمثابة ضوء احمر كبير وقوي للعواصم التي سعى بوتين إلى حثها على الاستدارة نحو التعاون مع دمشق في مكافحة الإرهاب وهو امر يعني بداهة تفكيك منصات العدوان ومباشرة وقف إرساليات المال والسلاح والمقاتلين إلى سوريا بالتنسيق مع القيادة السورية وفقا لمشورة موسكو ويكشف اوباما بذلك حرصا على منع حدوث تحول إقليمي كبير بهذه الأهمية وتصميما على مواصلة استنزاف سوريا والإصرار على انخراط الغرب وحلفائه في العدوان الذي يستهدفها من خلال دعم الإرهاب على أرضها رغم خطر الارتداد العالمي المتزايد.

ثالثا حجم الفشل المتراكم في مسار العدوان الاستعماري على سوريا كان يفترض مراجعة وتراجعات كبيرة في خيارات الدول المعنية منذ خريف العام 2013 وبعد تراجع اوباما عن حملته العسكرية الشهيرة وبالمخرج اللائق الذي تولى الرئيس الروسي إنتاجه بالشراكة مع الرئيس بشار الأسد ورغم جميع مخاطر ارتداد الإرهاب في المنطقة والعالم تمعن الإدارة الأميركية في التصميم على مواصلة حرب الاستنزاف ضد سوريا لحماية إسرائيل من نتائج الانقلاب الاستراتيجي الذي يعنيه انتصار الرئيس بشار الأسد ومحور المقاومة في المنطقة وقد تكفلت فصول العدوان بكشف حقيقة العلاقة الوثيقة بين الكيان الصهيوني وعصابات التكفير القاعدية والأخوانية.

خطر ارتداد الإرهاب يقض مضاجع آل سعود بعدما ظهرت حقيقة ان داعش والقاعدة قوتان كامنتان داخل المملكة وتصاعدت مخاطر مبادرتهما لتنفيذ هجمات في شبه الجزيرة العربية والخليج وبينما الحدود الطويلة مع العراق تطرح تحديات كبيرة في حين يتمادى الفشل السعودي في اليمن وتصل الصواريخ الثقيلة إلى اهدافها العسكرية في الرياض وليس فحسب في نجران وجيزان وعسير المتاخمة لخط الحدود الحالية مع اليمن . اما تركيا فهي تتزحلق نحو ازمة سياسية مركبة وتعيش هواجس ارتداد اوكار الإرهاب التي أقامتها ورعتها على أرضها لتدمير سوريا وداعش الفعلية قابعة في حضن أردوغان بمالها وسلاحها وشبكاتها اللوجستية .

رابعا تعرف واشنطن جيدا انه لو حققت مبادرة بوتين أي تقدم في فتح خطوط اتصال سورية مع تركيا والسعودية فسوف تخسر آلة العدوان على سوريا اخطر شبكات دعم عصابات الإرهاب ماليا وعسكريا ولوجستيا وهو ما يعني تفكيك المنصات وخسارة اميركية موصوفة لفرص الضغط والمساومة مع الرئيس بشار الأسد في ملفات إسرائيل والنفط حيث تقبع اولويات الشبق الأميركي المقيم في المنطقة .

فرضية بوتين تصطدم بارتهان المتورطين في العدوان للمشيئة الأميركية ولن تشق طريقها إلا بقلب التوازنات على الأرض السورية وهي مسؤولية سوريا وحلفائها فتدمير قوى العدوان الإرهابي يغلق أبواب الرهان على الاستنزاف المفتوح بقصد منع نهوض الدولة الوطنية السورية وانتصارها  وعندها وفي حلقة الفشل سيرضخ المعنيون في المنطقة والعالم للحقيقة القاهرة لكن مبادرة بوتين تقدم لهم فرصة جيدة للتراجع قد يفوتها عليهم حجم انضباطهم بالأوامر الأميركية وكلما مر مزيد من الوقت سترتفع أكلاف التراجع المتأخر المستحقة على الحكومات المتورطة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى