التوحش الداعشي يتفشى
فاطمة طفيلي
لا نبالغ اذا قلنا بأننا شعب يتمثل دواعش العصر نهجا واسلوب حياة، فبينما يتفنن التنظيم الارهابي بأساليب الاعدام حرقا وتفجيرا وإغراقا وقطع رؤوس، ترانا ننحو بذات الاتجاه مع اختلاف بسيط في الكمّ لا في النوع وفي يومياتنا ما يوحي بأننا منساقون في ذات الاتجاه.
مظاهر العنف تطغى على ممارساتنا، ولم تعد محصورة بعادة إطلاق النار في كل مناسباتنا السعيدة منها والحزينة، ففي المآتم يتطور إطلاق النار إلى قذائف صاروخية وسط الاحياء السكنية وبين المواطنين الآمنين، ولم يعد حكرا على جبهات القتال، وفي كثير من الاحيان تقلب الأعيرة النارية التي تطلق عشوائيا وكيفما اتفق أعراسنا إلى اتراح، وبدلا من أن يكون الميدان مخصصا لحلقات الرقص والغناء يتحول إلى ساحات دامية حزينة، تختنق معها الزغاريد ويتساقط الضحايا طرائد سهلة، يرميها صيادو الغفلة دون علم أو دراية، تحت عنوان التهنئة بالحدث السعيد، وإن لم يكن ذلك فلا بد من ضحية مظلومة طالها مدى الرماية الطائش تسقط غيلة وعدوانا، فهل هي افراح أم حفلات صخب وجنون؟!.
ضحايا الرصاص الطائش يتزايدون يوميا وما من عاقل يعقل أو مسؤول يضع حدا لمآسٍ مستفحلة، سواء عن طريق المنع والضبط استباقا او المحاسبة القاسية بعد وقوع حادثة مماثلة، ولا سيما أن أصوات النصح والارشاد لم تعد مسموعة وسط الضجيج المتمادي لعاداتنا السيئة وممارساتنا المشينة.
يبدو اننا أدمنّا أزير الرصاص ودوي القذائف، وإن أعيتنا الوسيلة نلجأ إلى المفرقعات والالعاب النارية التي لا تقل أذى وإزعاجا، وكم من ضحية بريئة سقطت في مثل هذه المناسبات أو تيار كهربائي قطع عنوة عن حي بكامله، وكأن ما نشهده من تقنين متصاعد لم يعد كافيا لنشر الظلمة والسواد في ليالينا، أو منازل حولتها القذائف الوهمية المحشوة باللهب والنار رمادا، وشردت قاطنيها، الذين خدمهم الحظ بمغادرتها قبل فوات الاوان، أو طفل بترت يده وهو يحاول إشعال فتيل انفجر به وقلب حياته رأسا على عقب، فكيف لنا ان تستمر على ذات المنوال؟
كأن أفراحنا لا تكتمل، ومناسباتنا لا طعم لها من دون إطلاق نار أو مفرقعات. كذلك حجم الانجازات لا يوازيه الا كميات الرصاص والمفرقعات التي تقضّ المضاجع وتثير السخط، وكلما علا مستوى الشهادة كان الفعل اشد واقوى، ونسب النجاح المرتفعة في الشهادات الرسمية باتت وبالا ونذير شؤم بدلا من أن تكون مثار فخر واعتزاز وحلت الشتائم للناجحين محل عبارات التهنئة من المواطنين المجبرين على الاستنفار والحذر اياما بنهاراتها ولياليها، يرقبون نهاية مسلسل إعلان النتائج، لاعنين ساعة النجاح واصحابه.
إضافة إلى كل ما تقدم يتضح من ممارساتنا اليومية أننا تحولنا إلى شعب غضوب تحكمه أنانية خرقاء لا تقيم وزنا للآخر أيا كانت الصلة به قريبا، صديقا أو جارا أو حتى ابن بلد، بذريعة الهموم الثقيلة والمشاكل الكثيرة والاعصاب المشدودة، ليصبح وقع الجريمة هينا ومعتادا، والضحايا مجرد ارقام تسجلها عدادات الاحصاءات اليومية في النشرات الاخبارية العابقة بروائح الموت والجريمة.
لم يعد غريبا خبر الامس حول مقتل شاب في مقتبل العمر في بلدة شقرا الجنوبية على خلفية إشكال بسبب انزعاج الجاني من صوت الشاحنة، تطور الى اطلاق نار من الاخير، ووفاة والد المجني عليه بأزمة قلبية فور معرفته بوفاة ابنه، لسبب أقل ما يقال فيه أنه تافه وسخيف مقابل روح فتية ازهقت على مذبح المزاجية والغضب الأخرق، فأي دور للعقل في ما يجري وما الحكمة في ان ينهش بعضنا بعضا، وماذا يميزنا عن الكواسر ونحن نفترس حتى لحومنا فيما تأنف هي عن ذلك؟! ولنا في ما يجري بحق النساء امثلة تكاد تصبح يومية، فها هي ماري فاخوري ابنة الـ27 عاما تتحول إلى جسد محروق تصارع الموت، والمتهم زوج ما يزال طليقا كما تقول والدتها. وقبلها بفترة قصيرة المغدورة سارة الامين ولائحة طويلة من اسماء النساء المقتولات بأيدي الازواج، وما خفي من اسرار البيوت ربما يكون اعظم، ألسنا اصحاب مقولة “البيوت أسرار”، لا بل شرور لم يعد الاطفال بمنأى عنها، وبينهم الكثير من مجهولي النسب والمعنفين المتروكين لمصائرهم والمنتهكة أبسط حقوقهم بالحياة الكريمة…
وبعد، ألا يحق لنا السؤال حيال ما يجري عن مصير مجتمع ينحو بنوه إلى هذا الدرك من القسوة والعنف، إن لم نقل التوحش والهمجية، وهل نحن في زمن الغاب وسيادة منطق القوة والغريزة، وبأي حضارة نتغنى في القرن الواحد والعشرين ونحن بممارساتنا اقرب إلى زمن التتار والمغول؟!.
فهل نصحو من سباتنا ونرعوي أم نمضي في غيّنا لنكون برابرة العصرة ووحوشه؟!..