التسويق لـ«تنظيم الدولة» والتنفيذ محلي: تسفي برئيل
مرت سنتان بالضبط على وجود هشام بركات في منصبه كمدعي عام لمصر. أول أمس أثناء سفره من مصر الجديدة إلى مكتبه مع قافلة الحراس المرافقة، انفجرت سيارة مفخخة بالقرب من القافلة مما أدى إلى موته واصابة عدد من مرافقيه وعابري السبيل، واكثر من 30 سيارة اصيبت بالاضرار. اربع سيارات احترفت تماما، وعدد من المنازل تضرر بسبب الهزة القوية للانفجار، وأغلق الشارع الرئيس المؤدي من المطار إلى مركز المدينة والدولة أصيبت بالصدمة. وفي اليوم التالي انفجرت سيارة مفخخة اخرى في القاهرة وقتل ثلاثة اشخاص.
تعرض بركات قبل ثلاثة اشهر إلى محاولة اغتيال مشابهة، ونجا منها بأعجوبة. وفي نفس الشهر كانت هناك محاولة لاغتيال وزير الداخلية. لكن هذه هي المرة الاولى التي تنجح فيها منظمات الإرهاب في مصر منذ سنوات، في قتل شخصية رفيعة المستوى مثل بركات. هناك من اعتبر ذلك «هدية للسيسي بمناسبة الذكرى السنوية لتسلمه الحكم»، أو تذكير انتقامي على إقالة محمد مرسي في 30 حزيران 2013. وقد أخذ المسؤولية عن العملية تنظيم غير معروف يسمى «المقاومة الشعبية للجيزة».
السيسي توعد بملاحقة الإرهاب بلا هوادة، وطالبت شخصيات رفيعة المستوى بالاعلان عن حالة الطواريء، إلا أن هذا لا يقنع الجمهور المصري الذي أصبح يخاف من الوصول إلى الاماكن الرئيسة.
عام على انتخاب السيسي وعامين على وجوده في الحكم بعد اقالة مرسي، وهو لم ينفذ وعوده بالقضاء على الإرهاب الذي هو مطلب ديماغوجي مثل الوعود نفسها. لأنه تعمل اليوم في مصر جماعات تختلف عن تلك التي كانت قبل ثلاثة عقود، اغلبيتهم أعلنوا عن ولائهم لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وبعضهم ينتمون للقاعدة والبعض يعمل بشكل مستقل.
حسب تقديرات جهات امنية مصرية فانه توجد في مصر مليوني قطعة سلاح غير قانونية، بعض منها استخدم في قتل نحو 500 شرطي مصري منذ عام 2013. معظمها موجود في سيناء وبعضها في القاهرة ومدن اخرى. الجيش المصري اعتقد في البداية أنه قادر على مواجهة هذه المنظمات من خلال استراتيجية محاصرة مصادر التمويل والتسليح والمطاردة في بؤر في سيناء والصحراء الغربية. وقد أخلى الجيش في سيناء أكثر من ألفي منزل على طول الحدود مع غزة، ووسع المنطقة «المعقمة» بين غزة وسيناء، وتم وضع اجهزة الكترونية متقدمة على طول الحدود وتم تدمير اغلبية الانفاق واغلاق معبر رفح (الذي فتح فقط مؤخرا).
لكن هذه الخطوات الاستباقية لا تعتبر بديلا للمطاردة الميدانية، وهنا تكمن الصعوبة التكتيكية للجيش الذي حصل على الاذن من اسرائيل لخرق اتفاق كامب ديفيد واستخدام الطائرات العسكرية. لكن الجيش يجد صعوبة في الكشف عن المغارات والاكواخ التي يختبئ فيها نشطاء التنظيمات في سيناء.
وفي الغرب استخدم الجيش استراتيجية اخرى حيث يقوم سلاح الجو وطائرات دول الخليج بقصف مواقع تنظيم الدولة الموجودة في الجزء الشرقي من ليبيا. لكن مثلما أن الاستراتيجية الجوية غير قادرة على القضاء على تنظيم الدولة في سوريا والعراق، فان الامر نفسه في الحدود الليبية، حيث تحاول قوات الامن مثلما في سيناء الاستعانة بالسكان المحليين على طول الحدود من اجل جمع المعلومات.
مقابل الاستراتيجية المصرية قامت التنظيمات الإرهابية بتطوير استراتيجية خاصة بها تستند إلى توسيع ساحة النشاط سواء من الناحية الجغرافية أو من ناحية الاهداف.
في السابق تركزت في سيناء ضد رجال الجيش والشرطة، وفي العام الاخير فهم يعملون ضد الاماكن السياحية في الاقصر ويزرعون العبوات الناسفة في محطات القطار في القاهرة ويفجرون السيارات المفخخة في المراكز السكانية ولا يترددون في التعرض للشخصيات الرسمية والعامة.
هذه الاستراتيجية تشير إلى أن التنظيمات نجحت في بناء قاعدة لوجستية داخل المدن، تُمكنها من تجاوز المخابرات المصرية.
صحيح أن مصر اعتبرت الاخوان المسلمين منظمة إرهابية، واعتقلت معظم قيادتها السياسية، وبعضهم، مثل الرئيس السابق مرسي، حُكم عليهم بالاعدام، إلا أن هؤلاء «المشبوهين العاديين».
العقوبة الصعبة والمطاردة لم تضائل نسبة العمليات ومحاولات تنفيذ العمليات. ففي حين أنه توجد للاخوان قيادة معروفة، وتعمل بشكل هرمي يمكن تحديده بسهولة، إلا أن منظمات الإرهاب مثل أنصار بيت المقدس تعمل بشكل مستقل وبدون تنسيق. وليس هناك لهذه المنظمات الجديدة قيادة روحية معروفة وموحدة كما كان في الثمانينيات والتسعينيات.
الزعيم الروحي الذي يوجه انصار بيت المقدس، أبو اسامة المصري، هو شخص غير مثقف وغير متعمق في الدين، وصلاحيته هي صلاحية إمام في مسجد.
حسب الباحثين في الحركات الإسلامية في مصر، فانه لم يبق في مصر أي زعيم روحي يوجه منظمات الإرهاب، مثل الزعماء الروحيين الذين عملوا في القاعدة ويعملون الآن في تنظيم الدولة.
ونتيجة لذلك فان المنظمات المصرية تستند إلى جهات خارجية، مثل الكتب والآيات التي نشرها أبو الحسن الفلسطيني، الذي كان الزعيم الروحي لتنظيم الدولة في القلمون في لبنان.
في 2010 نشر كتاب مكون من 101 صفحات تحت عنوان «النور الذي يرشد العمليات الاستشهادية»، وقد فسر لماذا يسمح قتل المدنيين والشرطة والجنود، وتنسب للفلسطيني مبادرة اقامة وحدات نخبة من الانتحاريين في صفوف تنظيم الدولة، فاضافة إلى خبرته في تجهيز السيارات المفخخة وتحصيله الديني، فانه يمثل الشخصية المقاتلة بكل معاييرها.
حسب بعض التقارير فقد قتل الفلسطيني في العام الماضي، وحسب تقارير اخرى هو حي. وقد وجد رجال المخابرات المصرية كتبه في منازل إرهابيين مصريين.
التقديرات تقول إن تنظيم الدولة نجح في تسويق الاستراتيجية والايديولوجية الخاصة به في ظل غياب الزعامة الروحية للمنظمات المحلية. هذا نذير سوء في الحرب المصرية ضد الإرهاب التي قد تجد نفسها أمام جبهة آخذة في الاتساع في المدن، والتي من شأنها تقليد تنظيم الدولة، بما في ذلك المشاهد الفظيعة لقطع الرؤوس وحرق المدنيين.
هآرتس