طيف «حزب الله» يلاحق «خصومه» ابراهيم ناصر الدين
فيما يخوض «خصوم» حزب الله وحلفاؤه في الداخل معارك جانبية مثيرة «للغثيان» حول ملفات هامشية وسط النيران المشتعلة في المنطقة، ثمة حرب من نوع آخر يشارك بها الحزب بفعالية حاسمة على هامش المفاوضات النووية الايرانية مع الغرب في فيينا، وهذا ما يجعل من الايام والاسابيع القليلة المقبلة «حبلى» بالمفاجآت في ظل حالة «الهيستيريا» السائدة لدى حلفاء واشنطن خصوصا اسرائيل والسعودية الاكثر تضررا من هذه التسوية. فما هي التداعيات على الساحة اللبنانية؟ واي دور حاسم يقوم به حزب الله؟
اوساط ديبلوماسية في بيروت تشير الى ان المشكلة الاساسية تكمن في حالة «الهلع» التي تسببت فيها الولايات المتحدة لحلفائها، فالمعطيات تشير الى رغبة اميركية جامحة للوصول الى هذا التفاهم ومهما كان «الثمن»، والمعلومات الاسرائيلية بهذا الشأن تفيد بان الصفقة النووية مع إيران باتت في «متناول اليد»، والمناقشات بين طهران والغرب لا تتجاوز الاتفاق على النواحي الفنية لاتفاق الاطار الذي تم التوصل اليه في نيسان الماضي، وحتى النقطة الخلافية حول الدخول لأى موقع عسكري ايراني تعمل واشنطن جاهدة لايجاد مخارج مناسبة لهذه المعضلة من خلال التسليم بوجهة نظر طهران في هذا الشأن، وقد فاجىء الاميركيون حلفاءهم في فيينا بالقول ان هذا الامر غير مناسب كما هو مطروح، لان الولايات المتحدة لا تسمح لاى شخص بالوصول إلى اي من مواقعها العسكرية، فكيف يمكن اقناع الايرانيين بهذا الامر؟
اما الامر الاكثر اثارة «للريبة» في هذا الملف تضيف الاوساط، فهو اصرار الوفد الاميركي على التوصل الى اتفاق قبل9 تموز وذلك حرصا من الادارة الاميركية على تقديم الاتفاق للكونغرس قبل هذا الموعد لأن هذا يعنى ان للمشرعيين 30 يوما فقط للاطلاع عليه قبل ان يبدأ اوباما برفع العقوبات على إيران بموجب قانون صدر في ايار الماضي، ولكن إذا تم تقديمه بعد هذا الموعد فان فترة عرض الاتفاق ستقفز إلى 60 يوما، وهذا الامر يسمح لاسرائيل لممارسة ضغوط هائلة من خلال اللوبي في واشنطن لعرقلة التسوية قبل هذا الموعد لان طول عملية المراجعة ستمنحهم المزيد من الوقت لتأليب الكونغرس وخاصة اعضاء مجلس الشيوخ على «الصفقة».
وبحسب تلك الاوساط، فان الجزء المثير من المعلومات فهو يتعلق بما يقوم به حلفاء واشنطن لاجهاض التسوية، وفي هذا السياق ثمة محاولات حثيثة لاحداث تغييرات كبرى في المنطقة علّها تسهم في تعقيد عملية مراجعة الاتفاق في واشنطن، وهنا تتوزع الادوار بين تركيا والسعودية واسرائيل والاردن وقطر كل في اطار دائرة نفوذه وقدرته على التأثير، الرياض كانت اول المبادرين عندما اتخذت القرار المفاجىء بشن حرب على اليمن في خضم محادثات الاطار حول الاتفاق النووي في اذار الماضي، وقد وضعت ثقلها لخلط «الاوراق» في المنطقة من خلال استدراج ايران الى «المستنقع» اليميني، لكن المهمة فشلت وتم التوصل في نهاية المطاف لصفقة «اتفاق الاطار»، بعد ان اختارت طهران خيار «الصبر الاستراتيجي» في التعامل مع الازمة اليمنية، وذهبت الجهود السعودية «ادراج الرياح»، واليوم يتحدث السعوديون عن «بصمات» حزب الله في اليمن والتي سمحت لانصار الله بتحويل المعركة الى حرب «استنزاف».
على المقلب الاخر، استخدمت تركيا نفوذها في الشمال السوري على حد قول الاوساط، ووضعت ثقلها لانجاح العمليات العسكرية لما يسمى «جيش الفتح» بقصد احداث تحولات مؤثرة في الحرب السورية، للتأثير في الموقف الايراني، لكن الجيش السوري، وبمساعدة مؤثرة من حزب الله، نجحا في احتواء الهجوم ووقف تمدده وحصره في منطقة جغرافية لا تمثل اي قيمة استراتيجية يمكن ان تؤدي الى انهيارات قد تؤثر على موقف المفاوض الايراني في فيينا. واليوم وبعد «الرسالة» الاميركية القاسية لانقرة عبر اكراد سوريا، عادت قيادة حزب العدالة والتنمية الى التلويح بالتدخل البري في سوريا لانشاء مناطق عازلة، وهي تدرك ان هكذا خطوة يمكن ان «تقلب الطاولة» على الجميع في المنطقة، ومن الواضح ان الاتراك يريدون «لفت نظر» واشنطن الى قدرتهم على ارباك المشهد اذا لم تؤخذ مصالحهم ودورهم في اي اتفاق مزمع مع ايران.
اما الاخبار السيئة والكارثية فقد جاءت من الجبهة الجنوبية، فبعد ساعات من اطلاق «عاصفة الجنوب» انهار جهد غرفة عمليات «الموك» المُقامة داخل الأراضي الأردنية عملياتياً ولوجستياً، وقد اتضح ان المشكلة لم تكن بالقدرة النارية الهائلة للجيش السوري الذي استهدف عمـق الخطـوط الخلفيـة للتنظيمات المسـلحة، وليس ايضا بالتحصينات النوعية في مواقع الجيش السوري والتي سمحت بتفادي الخسائر خلال التغطية النارية التي سبقت الهجوم، لكن الامر برمته يرتبط بخرق استخباراتي عالي المستوى لقيادات تلك المجموعات، سمح بمعرفة مكان وزمان الاجتماع في غرفة العمليات الرئيسية التي انهارت على من فيها. وبحسب المعلومات فان التحقيقات الاسرائيلية والاردنية توصلت الى استنتاج مفاده ان الخرق لم يكن من خلال تسريب بشري للمعلومات قامت به استخبارات الامن العسكري في الجيش السوري او الاستخبارات الجوية التي نجحت في السابق في استمالة عدد من ضباط وعناصر «الجيش السوري الحر»، فما حصل هذه المرة يتجاوز قدرة اي «عميل» على اختراق تلك القيادات المحاطة باجراءات امنية صارمة، لكن هذه المرة ايضا برزت «بصمات» حزب الله، وبحسب التقديرات شبه النهائية فان «غرفة عمليات» المقاومة في المنطقة الجنوبية نجحت في اختراق اجهزة الاتصال الخاصة بتلك القيادات، كما حصل في العام 2006 عندما تمكن عناصر الحزب من اختراق شبكة الاتصالات الهاتفية الاسرائيلية وتمكنوا من التنصت على هواتف ضباط وافراد الجيش الاسرائيلي، وهذه المرة تكرر هذا الخرق ما سمح بمتابعة دقيقة لتحرك هؤلاء وموعد ومكان الاجتماع حيث تم استهدافه باسلحة نوعية خارقة للتحصينات. وهكذا «اجهضت» عاصفة الجنوب بمقتل معظم قادتها..
وامام هذه الوقائع تحذر تلك الاوساط من ضيق هامش الخيارات لدى هذا الفريق، فالسعودية لم تعد تمتلك اي من اوراق التأثير المباشر، وكذلك اسرائيل التي وضعت ثقلها «لوجستيا» لانجاح «عاصفة الجنوب» وفشل تعاونها مع الاردن، كما فقدت تركيا وقطر «اوراقهما» بعد حرب القلمون «الاستباقية»، والمفارقة ان الاختلاف حول اسباب الفشل، يقابلها اجماع ان المشكلة الاكبر اسمها حزب الله، «فطيف» الحزب موجود في كل مكان وهو العامل المؤثر في اجهاض كل ما تم وضعه من خطط لاحداث انقلاب في «المشهد»، وهذا يضع هذه الاطراف امام احتمالين اما الدخول في مواجهة مباشرة مع الحزب لاحداث تعديل جوهري في التوازنات، وهذا الامر يحتاج الى قرار اسرائيلي يبدو غير متاح راهنا لاسباب تتعلق بالجهوزية القتالية وعدم التيقن من الانتصار في الحرب، وكذلك غياب «التغطية» الاميركية لهذه الحرب، والاسرائيليون يراقبون باهتمام كيف ترك الاميركيون السعودية تغرق في اليمن، لذلك هم مترددون في الاقدام على اي خطوة متهورة. في المقابل يبقى خيار التصعيد غير المباشر وهو عادة يتم اما من خلال تفعيل العمليات الارهابية على الساحة اللبنانية لارباك الحزب واشغاله، او عبر تأزيم الوضع السياسي والامني وتعزيز الانقسامات الداخلية لخلق جبهة موازية تشتت قدراته.
وبحسب المعطيات فان الخيارين الاخيرين وضعا على «نارحامية» في هذه المرحلة، والمفاضلة بينهما ترتبط بدراسة ردود فعل الحزب عليها وتأثيرها على الحلفاء في لبنان. طبعا هذا يؤشر الى مرحلة صعبة سواء تم توقيع الاتفاق النووي بين ايران والغرب او لم يوقع، فكلا الاحتمالين سيؤدي الى تداعيات كبيرة، وهذا ما استدعى اتخاذ اجراءات امنية احترازية، اغلبها غير علني، لمنع حصول اختراقات محتملة في المرحلة المقبلة.
(الديار)