أوراق لما بعد التحرير ثريا عاصي
لماذا لم تنتصر «ثورات» الولايات المتحدة الأميركية وآل سعود والعثمانيين الجدد، في سورية مثلما إنتصرت في العراق ومصر وتونس وليبيا. لم تنتصر قبل ذلك في الجزائر. لست على بينة من الأوضاع في اليمن. ولكن الجرائم التي إقترفها لتاريخه، آل سعود في هذه البلاد الفقيرة كشفت عن طبيعة سياستهم في الراهن فضلاً عن انها سلّطت الضوء أيضاً على الدور السلبي الذي قاموا به على الدوام في الماضي، في خلق العراقيل أمام حركة التحرر العربية، حتى تمكنوا منها في حرب حزيران 1967!
أجبرت المقاومة السورية «الثورة» على إظهار وجهها الحقيقي. فإذا بها حرب عدوانية ثلاثية، آل سعود، العثمانيون الجدد والحلف الأطلسي. يتحسر الرئيس الفرنسي آسفا، ووزير خارجيته أيضاً، الذي إعترف بجميل جبهة النصرة، على ضياع فرصة الهجوم الجوي والصاروخي على سورية.
إستنادا إليه، إن سورية تخوض حرب دفاع وتحرير. هذا يفترض أن السوريين الوطنيين يعتمدون في نضالهم على برنامجي عمل، برنامج عسكري وآخر سياسي:
ـ الخطة العسكرية، مسألة لا شأن ولا معرفة لنا في سياقاتها. التسليم بداهة، بأن الجيش العربي السوري هو العمود الفقري للمقاومة، لا يغير طبيعة حرب التحرير الوطنية بما هي في جوهرها حرب المواطنين، دفاعا عن وطنهم، بمعنى آخر هي حرب تعني مباشرة جميع السوريين. تجدر الملاحظة هنا، إن المراقب يخرج من متابعة التطورات على مدى السنوات الخمس الماضية بإنطباع أن جماعات «داعش» لا تعدو على الأرجح أن تكون فزاعة (سياقات التطورات في العراق ). بمعنى إنها تتقدم غالباً، وسط حملات التهويل والإشاعات الكاذبة. في ظلّ تغطية محكمة معلوماتية وإعلامية. هذا من ناحية، أما من ناحية ثانية، فليس مستبعداً ان هذه الجماعات تتبع في الواقع مساراً مرسوماً لها مسبقا. الولايات المتحدة الأميركية حاضرة فوق مسرح العمليات العسكرية بواسطة طيرانها الحربي. مجمل القول، إن «داعش» «ينتصر» كما يبدو حيث لا يصطدم بمقاومة.
ـ البرنامج السياسي: إن الغاية من حرب التحرير هي استعادة البلاد التي إغتصبها المستعمرون وعملاؤهم، وبناء دولة وطنية تتوكل بإدارة شؤون المواطنين إستنادا إلى برنامج سياسي. ما أود قوله هنا هو أنه من الضروري أن يعرف الناس البلادَ التي يناضلون ويبذلون التضحيات، دماء وعذابات، من أجل تحريرها، وأن يوافقوا على طبيعة الدولة المأمولة.
من البديهي في هذا السياق أنه يستحيل عليك أن تدافع وتحمي جماعة أو أفراداً يرفضون اندفاعك وحماستك لهم، أضف إلى أن مثل هذه الجماعة لا تدرك أحياناً حقيقة الخطر الذي يتهددها وبالتالي لا يبادر أعضاؤها إلى أخذ هذه المسألة على عاتقهم. وما يزيد الأمور تعقيداً، هو عندما تكون هذه الجماعة من سكان البلاد الأصليين، وعندما يكون موقفها من الأعداء، موقفاً لاعقلانياً، قد يجنبها الخطر مؤقتاً، ولكن على حساب الآخرين.
في تصوري، إن الدولة في بلادنا، في هذا الزمان الذي يستخدم البعض في تعريفه مصطلح «زمان العولمة» يجب أن ترتكز على مبادئ بسيطة، منها على سبيل المثال، توفير الشروط الملائمة للمواطن لكي يستطيع إنتاج ما هو بحاجة له، سواء أمكن ذلك فردياً أو تطلب الإنضمام إلى فريق عمل يشارك كل عضو فيه بحسب معرفته وإختصاصه، على أساس قواعد واضحة ودقيقة يحترمها الجميع!
وفي السياق نفسه، أتصور الوطن كمثل منزل. يجتهد أصحابه ويغتبطون ويفتخرون عندما يلاحظون انهم يسكنون منزلاً عملياً، جميلاً، يجدون فيه الراحة والهدوء، ومتين الدعائم. منزل يتسع للجميع ويجد فيه كل فرد مكاناً له. لا يكون التضامن الوطني بتقاسم الغرفة أو رغيف الخبز، وإنما ببناء غرفة جديدة وبإنتاج رغيف خبز إضافي. حتى لا يكون التضامن مرادفاً للضيق والجوع.
إن البرنامج السياسي، لما بعد التحرير والذي يستأهل التضحيات، هو في جوهره إقتراح حلول ومشاريع، بناءً على دراسات يعدها خبراء. السياسة هي شرح هذه الحلول وإقناع الناس المعنيين، في البلدة أو في المنطقة بملائمتها لمصالحهم ونجاعتها. يحسن القول، إن سلوك هذا النهج في السياسية مفيد في كل وقت ومكان. هذا لا يعني أبداً أنه لا يتوجب في بعض الظروف إتخاذ القرار نيابةً عن الناس، باسم المصلحة العامة. إن الأكثرية الوطنية متناقضة كلياً مع الأكثرية العرقية والطائفية والقبلية ـ العشائرية. هذه الأكثريات الأخيرة تكون عادة عمياء صماء.
مجمل القول وقصاراه إن الغاية من البرنامج السياسي الوطني هي رفع مستوى الوعي والمعرفة والمسؤولية في المجتمع، حتى يمتلك الجميع ما هو موجود، ما تم إنجازه، كشرط ضروري، لتطويره وإغنائه والمحافظة عليه. أما الدولة الحقيقية فإنها كيان يتمثل بالقانون والقاضي والشرطي، وبالجيش. للدولة دور أساسي يتلخص بضمان العناية الصحية، التعليم، البحث العلمي والأمن الإقتصادي، خدمة للمواطن.
ان الوطن الذي يستحق النضال بجميع الوسائل الممكنة، من أجل تحريره، هو وطننا، هو سوريا، الوطن الذي نريد العيش فيه ونحب العيش فيه. إن أمقت الأمور عندنا كسوريين، هي العصبية والعنصرية. نحن نقبل العيش مع جميع الذين لا يمنعوننا من العيش بأمان وكرامة، مع جميع الذين يؤمنون بالمساواة بين الناس ولا يفرقون بينهم بحسب لونهم أو عرقهم أو معتقدهم الديني أو أفكارهم الفلسفية أو السياسية.
(الديار)