حقائق حول المسيحيين العرب د. فايز رشيد
الصراعات العربية العربية الحالية، لم تلحق ضرراً بالدول العربية التي تشتعل فيها هذه الصراعات فحسب، ولا بتغييب الصراع والتناقض الرئيسي مع العدو الصهيوني فقط، وإنما تسهم بإلحاق أفدح الضرر بالقضايا العربية ككل، وبالاستحقاقات الشعبية العربية، كالديمقراطية على سبيل المثال لا الحصر. إلى جانب خلخلة النسيج الاجتماعي الداخلي للشعوب العربية في أقطارها، الأمر الذي يحتاج الى سنوات طويلة لعودة هذه البلدان إلى ما كانت عليه قبل بدء الصراع فيها، وبالتالي فإن الأضرار تلحق الكوارث والمآسي بالأمة العربية قاطبة.
نتناول في هذة المقالة الضرر الذي لحق بالمسيحيين العرب واستهدافهم كمكون رئيسي من مكونات المنطقة العربية. رغم الكره الشديد للخوض فيما قد يُفهم بأنه قضايا طائفية، لكن للواقع أحكامه، ومع الكره الشديد أيضاً، لإلقاء تبعة ما حصل على نظرية المؤامرة، التي يرى البعض فيها (إنها ليست نظرية من الأساس، بقدر ما هي مزاج سياسي خرافي عاجز عن التحليل السببي للحدث)، إلاّ أن جزءاً من الصحة ينطبق على هذه النظرية، والجزء الآخر يعود إلى التحليل السببي بالتأكيد.
كان لافتاً للنظر، التصريح الذي أدلى به الرئيس جورج بوش الابن بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، بأن ما سيقوم به «هو حملة صليبية» جديدة ضد ما أسماه الإرهاب الدولي. بالمقابل فإن أسامة بن لادن، أعلن في تصريح قديم له «الجهاد ضد الصليبية والمسيحية». من جانب آخر، فإن كثيرين من سياسيي الغرب ومفكريه، مثل بريجنسكي، هنتنغتون، كيسينجر وغيرهم، يؤكدون في كتاباتهم على ارتباط المسيحية العربية بالغرب، لذا فمن وجهة نظرهم فإن المسيحية في المشرق العربي، هي ظاهرة غريبة على العرب، وينكرون عروبة المسيحية، بتغريبها وادعاء غربيتها، أو يحاولون تصويرها بأنها «دخيلة ومستوردة في البلاد العربية». بالمقابل، فإن جزءاً لا يستهان به من بعض الكتّاب والمحللين والأيديولوجيين العرب، إضافة الى بعض الحركات الاسلامية، ترى مثل هذا الارتباط العضوي، وتؤكده، في السياق نفسه، وتجيء تصريحات غربية كثيرة تعمل على إقحام الدين بالسياسة، من خلال الدعوة إلى حماية المسيحيين العرب عبر تهجيرهم إلى الغرب. مثلما حوّلت «إسرائيل» الدروز في منطقة 48 رسمياً إلى قومية أخرى غير عربية. الكيان بدوره دخل على هذا الخط فهو يخطط لمسح عروبة المسيحيين العرب في منطقة 48، فقد أعلنت عن استعدادها لاستقبال كل المهاجرين أو المُهجّرين من الحرب في سوريا. نعم، الكيان وكما أعلن رئيسه ريفلين بصدد تشريع مجموعة من القوانين، تسعى لإسقاط عروبة المسيحيين، وتوزيعهم الى طوائف، واختلاق قومية جديدة لهم تماماً مثلما فعلت مع الدروز العرب.
إن ما يجري من تفرقة مؤخراً بتقسيم المجتمعات العربية إلى طوائف وأديان ومذاهب وإثنيات، لا يخدم إلا العدوالصهيوني. وبالفعل، فإن العديد من الأطروحات التي تقسّم الأمة العربية إلى سنة وشيعة ومسيحيين (بمختلف جماعاتهم) تلتقي بشكل واضح مع ما يريده الكيان الصهيوني. ويبقى القول إن أمتنا العربية وأهلنا في منطقة 48 أوعى من التعامل مع هذه التقسيمات التي تهدف إلى تخريب النسيج الاجتماعي لأبناء أمتنا ولأهلنا في منطقة 48. إن المسيحية هي إحدى الظواهر العربية كما تبين الأحداث التاريخية، وأبحاث كثيرة، نشأت في فلسطين والمشرق العربي، ويسميها البعض ب«النبتة الوطنية العربية التي ظهرت ونشأت في التربة الوطنية العربية» كما يقول جورج حداد، وفيما بعد تم نقل مركز القرار المسيحي إلى روما، في عهد الإمبراطورية الرومانية البيزنطية.
لا يستطيع أحد إنكار دور المسيحيين العرب في النهضة العربية، منذ القرن التاسع عشر وحتى اللحظة، ولا دورهم الأساسي في الحركة القومية العربية، ولا في الثقافة العربية: المفهوم الأشمل من العقيدة الدينية، ولا في الحضارة العربية، التي تعتمد على البنية المؤسسة في حياة الشعوب. وأيضاً في حركة التحرر الوطني العربية. بمعنى أن المسيحية هي إحدى البوتقات الأولى لظهور حركة القومية العربية. وبالرغم من اتفاقي المطلق مع ما يصل إليه المفكر العربي جورج قرم في كتابه القيم (انفجار المشرق العربي)، عن استحالة كتابة التاريخ العربي من منظور الدولة القطرية. أيضاً، من الضروري التأكيد على أن بعض الاتجاهات الغربية وانطلاقاً من مبدأ (تغريب المسيحية في العالم العربي)، ترى أيضاً أن فلسطين هي قضية إسلامية، من خلال الترويج للصراع بأنه صراع ديني، وفي الأساس إسلامي الوجه ضد القضية اليهودية المدعومة لأسباب عقيدية من المسيحية. وفي الرد على هذا الادعاء وإنصافاً للحقيقة نقول:
لقد شكّل المسيحيون العرب ما يقارب ال50% من عدد سكان مدينة القدس وفقاً لإحصائية 1922. وقد استشعر المسيحيون الخطر الصهيوني منذ نهايات القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين (كتابات الأب هنري لامنسي اليسوعي، كتاب نجيب العازوري بعنوان: يقظة الأمة العربية، صدر في باريس في عام 1905، الذي بين بوضوح حقيقة الصراع العربي الصهيوني، وهذا على سبيل المثال لا الحصر)، دعونا نذكّر بمنع البابا شنودة منذ احتلال 1967 وحالياً، للأقباط، من الحج إلى فلسطين، ما بقيت تحت الاحتلال «الإسرائيلي». ويؤكد في تصريحاته أن الأقباط لن يدخلوا القدس إلا مع إخوانهم المسلمين، وظل هذا الموقف قائماً برغم اتفاقيات كامب ديفيد.
لقد شارك المسيحيون العرب في كل الثورات الفلسطينية بدءاً من التظاهرات وصولاً إلى المقاومة المسلحة (ثورة البراق، والثورة الفلسطينية الكبرى). ولم تميز بريطانيا بين المناضلين المسلمين والمسيحيين. فبعد مقتل حاكم لواء الجليل اندروز في أكتوبر/تشرين الأول عام 1937، قامت بنفي بعض أعضاء اللجنة العربية (مسلمين ومسيحيين) إلى جزيرة سيشيل. المسيحيون العرب هم جزء رئيسي من مكونات أمتنا العربية، والتاريخ الإسلامي يدعو إلى الحفاظ على المسيحيين، وليس أدل على ذلك من العهدة العمرية، ورفض الخليفة عمر بن الخطاب الصلاة في كنيسة القيامة، خوفاً من استغلال الحادثة فيما بعد من قبل بعض المسلمين. وللعلم فإن مفاتيح الكنيسة مازالت مودعة منذ القدم لدى عائلة مسلمة. هذا هو التعايش الحقيقي بين المسيحية والإسلام، وليس كما تفهمه القوى الظلامية، التي يُطلق عليها خطأ الأصولية «الإسلامية». فللإسلام تعاليم واحدة، إنسانية، تعايشية، عقيدية، تحترم خصوصيات الأديان الأخرى، أما هذه القوى الظلامية فبعيدة كل البعد عن الإسلام.
الظلم الممارس على الشعوب العربية، أيّاً كان مصدره، لا يفرق بين مسيحي ومسلم. والعنف المذهبي الطائفي لا يطال ديناً معيناً، بل يتناول كل الأديان، ويطال المذاهب المتعددة في الدين الواحد. والإرهاب لا يطال ديناً معيناً، وكلنا يذكر كم عانى، ويعاني العراق على هذا الصعيد.
فلنعزز من الوحدة الإسلامية المسيحية لمواجهة كل المخططات والمؤامرات التي تستهدف أمتنا الواحدة، ولنعمل على إسقاطها بكل ما أوتينا من قوة.
(الخليج)