«داعش»… القيادة المركزية عامر نعيم الياس
فهد سليمان عبد المحسن القباع، سعودي الجنسية، نفّذ الهجوم الانتحاري على «مسجد الإمام الصادق» في الكويت، موقعاً 27 شهيداً على الأقل. يريد أن يَلحق الإفطار مع الرسول بحسب روايات شهود عيان من موقع التفجير.
ياسين صالحي، والذي لم تعلن أيّ مسؤولية لـ«داعش» عن عملياته، قطع رأس مديره وعلّقها على سور المعمل في إحدى ضواحي مدينة ليون الفرنسية، من دون أن ننسى الراية السوداء التي رفرفت في ليون. لا يزال الفرنسيون يتحدثون عن «الذئاب المستوحدة»، لكن ليون وشبكات السلفيين للتجنيد المنتشرة في ضواحيها، دليل لا يمكن أن يجعل من صالحي خارج سرب «داعش»، يكفي هنا أن نشير إلى ما ذكرته الاستخبارات الفرنسية الداخلية عن «استجواب عشرات الأشخاص العائدين من سورية إلى ليون الفرنسية ما بين أيلول 2014 وشباط 2015»، فيما يجري التحري وفق «ليبيراسيون» الناطقة بِاسم الحزب الفرنسي الحاكم المبشّر بالربيع الجهادي في سورية، عن علاقة ما تربط صالحي بتنظيم في ليون يدعى «شباب العزّة».
تونس التي رعى المنصف المرزوقي وإخوانه «الربيع السوري»، مصدّرين الآلاف من القَتَلة إلى سورية، والمئات من «جهاديات النكاح» ليحلّ البلد المتوسطي المغاربي الأكثر علمانية في العالم العربي في صدارة الدول المصدّرة للإرهابيين إلى سورية، هي الأولى تعرضت لضربة مؤلمة تبنّاها «داعش» على «تويتر». فالمنفّذ الذي قتل 37 سائحاً في مدينة سوسة هو «أحد جنود الخلافة».
جبهات ثلاث، منفّذون ثلاثة، تحت رايةٍ واحدة، تزامنٌ في التنفيذ، واختلاف في طبيعة الهدف، بين هدفين شرعيين ثابتين للحركات الإسلامية تاريخياً بحسب الإعلام الغربي وخصوصاً الفرنسي، هما الشيعة والسيّاح الكفّار، فيما تبقى عملية باريس حادثاً يختلط فيه العقائدي بالشخصي، كون القتيل أو مقطوع الرأس، هو مدير المشتبه به صالحي. لذلك، من المحتمل أن يلعب الدافع الشخصي دوراً. لكن، هل يفترض التزامن عدم وجود تنسيق وفقاً لـ«ليبراسيون» الفرنسية؟
بالطبع لا. فالهدف من القول إن «داعش» لا ينسّق العمليات هو الاستمرار في تضليل الرأي العام الغربي تحديداً حول الاستراتيجية الواجب اتّباعها للحرب على هذا التنظيم. فما منع الولايات المتحدة الأميركية والتحالف الغربي بمن فيه فرنسا من استهداف التنظيم الإرهابي في تدمر في معركته ضد الجيش السوري، هو ذاته الذي يقف حجر عثرة أمام الاعتماد أو التنسيق مع الأعداء الحقيقيين لتنظيم «داعش» ابتداءً من الجيش العراقي وصولاً إلى الجيش السوري وليس انتهاءً بالجيش الإيراني، والجيش اللبناني إلى جانب المقاومة. أمرٌ ليس في مصلحة تحالف أوباما مائع الأهداف، فاقد الاستراتيجية الحديث عنه، فالضرورة تقتضي القول إن التنسيق غير موجود، لكن الأمر مختلف، فنحن في مواجهة تنظيم صار يقود العمليات على امتداد كوكب الأرض، واستطاع في يومٍ واحد شنَّ عمليات متزامنة ومنسقة في ثلاث قارات، هذا أولاً. وثانياً، هذه العمليات لم تأتِ من فراغ، بل هي نتيجة مباشرة لاستمرار سياسة الكيل بمكيالين والتواطؤ مع التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق. فأساس حرب تدمير هاتين الدولتين يبقى البعد الطائفي للحرب. والتجييش بهدف تغيير موازين القوى على الأرض. فالمظلومية السنيّة حاضرة في مجمل مصطلحات الرعاة الدوليين وخطابات ومسمّيات الفرق المسلّحة المرتبطة سواء بالقاعدة وسواء بالولايات المتّحدة وحلفائها على الأرض، خصوصاً في سورية. أما ثالثاً، فإن العمليات التي جرت في فرنسا وتونس والكويت، تشير إلى وجود بنية قوية لتنظيم «داعش» في الدول الثلاث. فنحن هنا أمام مشهدٍ يتكرر في الدول الثلاث، فقبل ستة أشهر وقعت مذبحة «شارلي إيبدو» في باريس، وقبل شهرين وقعت مجزرة متحف باردو في العاصمة التونسية وراح ضحيتها 22 قتيلاً بينهم 21 من الأجانب. أما الكويت التي يشكل الشيعة 33 في المئة من سكانها، فهي صدىً لما جرى في أواخر أيار الماضي في المنطقة الشرقية في السعودية، إذ يريد «داعش» نقل التوتر الطائفي إلى وسط دول الخليج الحليفة للولايات المتحدة الأميركية، ووضع الأنظمة الخلجية في مواجهة اختبار مصداقية لخطابها الطائفي التحريضي أمام رأيها العام. فإن استمرت به وزايدت على «داعش»، عليها تحمّل التبعات الداخلية والصدام الأهلي الحتمي داخل الخليج. وإن هادنت ظهرت بمظهر المنفصم عن خطابه الديني غير الملتزم به، وهنا يبرز «داعش» باعتباره التعبير الحقيقي عن المظلومية السنيّة والملتزم قولاً وفعلاً بالدفاع عنها.
ردَّ «داعش» خارج حدود منطقة عملياته الأساسية، في عملية منسّقة إلى أبعد الحدود، ما يعكس وجود قيادة عامة مركزية للتنظيم، فيما لا يزال الغرب يتساءل حول معايير التعامل مع «جهادييه» العائدين من سورية والعراق، وما إذا كانت تتطابق مع حقوق الإنسان والقوانين الدولية أم لا.
(البناء)