“الديار” في قلب حضر رضوان الذيب
«الديار» تجول في حضر.. الصمود يُسقط أهداف المشروع الإسرائيلي التكفيري بإقامة «الجيب الدرزي العازل»
الجيش السوري في قلب حضر بكلّ أسلحته والأهالي لم يسمعوا بالمفاوضات عن الحياد ويرفضونها
يتحدّون الحصار التكفيري رغم المخاطر الأمنيّة.. ورسالة الى الجميع «ممنوع سقوط المدينة»
حضر ـ رضوان الذيب
«حضر» قرية سورية في محافظة القنيطرة سكانها جميعهم من الطائفة الدرزية ويقطنها 12 الف مواطن، وهي اكبر القرى في المحافظة وموقعها استراتيجي ومن يسيطر على «حضر» يتحكم بمعظم قرى محافظة القنيطرة وصولا الى مناطق شبعا وحاصبيا اللبنانية، ولذلك كانت هدفا للمسلحين التكفيريين للسيطرة عليها ولفك الطوق عن بيت جن والوصول بشكل امن الى شبعا وراشيا حتى المصنع اللبناني لتطويق دمشق.
عدد الدروز في محافظة القنيطرة يتجاوز الـ35 الف مواطن ينتشرون في قرى حرفا، محلس، عرنه، المقروصة، الريمي، بقعسم، عيسم، مبيا وادي المير القرية التي يسيطر عليها الارهابيون وقد غادرها اهلها.
الاحتلال الاسرائيلي لمحافظة القنيطرة ادى الى تقسيم المحافظة واهل البيت الواحد والعائلة الواحدة والاحتلال الاسرائيلي ما زال يرزح بكل ثقله على قرى الجولان المحتل وتحديدا مجدل شمس وغيرها ويقطنها الموحدون الدروز الذين رفضوا الهوية الاسرائيلية والخدمة في الجيش الاسرائيلي وتمسكوا بهويتهم السورية وبعروبتهم وقوميتهم وخاضوا مواجهات الاحتلال الاسرائيلي ويفصل بين الجولان المحتل عن الجولان السوري المحرر شريط فاصل تنتشر فيه قوات اليونيفيل التي غادرت المنطقة بعد دخول المسلحين الى مراكزهم، وعادوا بشكل رمزي بعد استعادة الجيش السوري لهذه المناطق.
ويؤكد ان الدروز السوريين في القنيطرة هم مواطنون سوريون متمسكون بهويتهم وقوميتهم ويعتبرون ان دولتهم السورية تتقدم عندهم على كل الاعتبارات، وان العامل الوطني والقومي عند دروز سوريا يتقدم على كل عوامل الانقسامات الدرزية اللبنانية والزعامات، ويعتبر دروز القنيطرة ان ما يصيب دولتهم يصيبهم، وجربوا الاحتلال ومعاناته ويعتبرون ان ما تتعرض له سوريا مؤامرة دولية والعرب خانوا سوريا.
هذا الموقع الاستراتيجي «لحضر» وقرى القنيطرة حولها الى هدف للتكفيريين في مختلف فئاتهم وللنصرة تحديدا، وجعل من الدروز هدفا لهؤلاء التكفيريين نتيجة انتشارهم الاستراتيجي الذي يمتد من السويداء وجبل الشيخ وصولا الى حاصبيا وراشيا وان العقبة الوحيدة امام قيام الجيب الدرزي الفاصل بين هذه المناطق وفلسطين المحتلة في درعا، وبالتالي فان محاولات المسلحين المتكررة للسيطرة على درعا هدفه هذا المشروع، والانتقال بعدها الى السويداء ثم الى حضر وتطويع الدروز. وهذا المشروع لا يمكن ان ينجح بوجود الجيش السوري وحزب الله اللذين يدركان هذا المخطط ووضعا كل ثقلهما لافشال عاصفة الجنوب، خصوصا ان الهدف هو تطويع الدروز لنجاح هذا المشروع وتحويلهم الى جيش سعد حداد جديد.
ولذلك تعتقد مصادر درزية متابعة ان دعوات البعض لتحييد جبل العرب تلتقي مع هذه الاهداف لان الجيش السوري هو العائق امام تنفيذ هذا المشروع، وبالتالي فان خروج الجيش السوري وحزب الله من هذه المناطق يعني عمليا تحقيق المشروع، والبعض يطرحه سلميا والبعض يطرحه عسكريا، وهذا وجهة نظر المعادين للمشروع التكفيري كما ان روسيا وايران يدركان هذا المخطط الذي يمتد من الاردن الى لبنان، ولن يقبلوا بتمريره مهما كانت الاعتبارات ولو ادى ذلك الى حرب كونية، كما قال الوزير السابق وئام وهاب في خطابه، وهو يقصد بان روسيا وايران لن يسمحا بتمرير هذا المشروع وسقوط حضر مهما كانت الاعتبارات والنتائج ولو ادى ذلك الى دخول ايراني – روسي مباشرين. وبالتالي على البعض ان يدرك ان ادخال الدروز في لعبة المحاور الكبرى لن يبقي درزيا على قيد الحياة، وسيحولهم وقودا في لعبة الكبار ولن يحرق الدروز فقط بل سيحرق الاردن ايضا ومن يدعم هذا الخيار.
وفي ظل هذه القراءة السياسية جاءت زيارة رئيس تيار التوحيد العربي وئام وهاب الى «حضر» متحديا الحصار كما جاءت رسالته واضحة للجميع وبمعان كبيرة بانه ممنوع اسقاط «حضر» واسقاط هذا المحور لان زيارة وهاب فيها مخاطر كبيرة على حياته وعلى حياة اعضاء الوفد.
ورغم ذلك اصر وهاب مدعوما بالمحور الذي يمثله على الزيارة لكي تكون الرسالة كبيرة لمن يحاول الدق في موضوع «حضر».
الدخول الى حضر كان مع الوفد الاعلامي المرافق للوزير وهاب حيث انطلق الوفد من دمشق، وقطع مسافة 90 كلم للوصول الى القنيطرة.
الطريق بين دمشق والقنيطرة آمنة، حيث ينتشر الجيش العربي السوري وسط حركة سير شبه عادية، مع كم هائل لصور الرئيس بشار الاسد والامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله فيما الوفد يقطع القرى الدرزية وسط استقبالات بالغة الحفاوة لوهاب وصحبه وللوفد حيث الرجال تلوح بالسلاح والنساء بالزغاريد ونثر الارز، فيما ارشادات الجيش العربي السوري وضباطه واضحة بضرورة الحذر مع اقتراب الموكب من البلدة مما استدعى اجراءات امنية، كون الطريق الجديدة التي تصل الى حضر شقها اهالي البلدة مع الجيش العربي السوري ورصفتها نساء حضر وحرفا، خلال يومين ورغم رصاص القنص من «التلال الحمر» والرشاشات المتوسطة والثقيلة فان الطريق الترابية التي تم شقها يبلغ طولها اكثر من 10 كيلومترات وتبدأ من حرفا وصولا الى حضر وقد تمكن الارهابيون من قصف «الجرافة» التي كانت تعمل على استطلاع الطريق واستشهد السائق وحصلت معاناة كبيرة قبل الوصول الى البلدة.
وبعد توقف رصاص القنص لفترات وصل الموكب الى حضر وكانت الاجراءات الامنية تقضي بعدم تحديد موعد الوصول الا لاشخاص معينين وبعد نصف ساعة ومع انتشار خبر وصول الوفد تجمع الاهالي في الساحة العامة وبدأوا بنثر الورود والارز على وهاب والوفد المرافق، وعقدت حلقات الدبكة والرقص بـ«السيف والترس» وبالسلاح، وسط حداء اهتزت له حضر، ووصل الى مسامع المسلحين والاسرائيليين بوضوح تام خصوصا ان الاسرائيليين كانوا يراقبون ما يجري من مواقعهم في جبل الشيخ والتي لا تبعد سوى كيلومترين وأقل.
ومن الطبيعي ان يستنفر الاسرائيليون بعد ان وصلت الى مسامعهم هتافات اهالي حضر بالدعاء للرئيس الاسد وللأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والوزير وهاب، وتحدى اهالي حضر الاسرائيليين وحملوا صور السيد نصرالله ورفعوها في مواجهة المواقع الاسرائيلية مع صور الرئيس الاسد ووهاب الذي حمل على الأكف جراء مواقفه.
اهالي حضر يمدونك بالمعنويات، ويؤكدون انهم موحدون خلف دولتهم وجيشهم، وانهم لن يتركوا ارضهم مهما كلف الامر، وهم عانوا من الاحتلال وبطشه ولم يتخلوا عن هويتهم وعروبتهم، وهذا هو دورهم، ويؤكدون ان النصرة… وغير النصرة لن تدنس ارض حضر، وان سيطرة المسلحين على التلول الحمر تمت بخيانة من بعض صغار النفوس، وانهم سيحررونها قريبا، ويشكرون اهالي صحنايا وجرمانا على وقوفهم الى جانبهم، ويحيون الجيش العربي السوري الذي ينتشر في كل حضر بكل اسلحته الثقيلة والخفيفة وراجمات الصواريخ والدبابات والآليات مدعوما بقوات الدفاع الوطني وباكثر من 2000 مقاتل من بلدة حضر واكثر من 1000 مقاتل من القرى المجاورة، كما اخبرنا القائد العسكري في المنطقة ان المدفعية البعيدة جاهزة لصد اي هجوم وبالتالي لا امكانية للمسلحين القيام بأي عمل كون خطوط امدادهم صعبة جدا، كما ان معنويات الاهالي قادرة على احباط اي هجوم، كما ان قيام الجيش العربي السوري بعد الهجوم الاكبر على درعا رفع معنويات الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني في المنطقة،كما ان طاقة المسلحين بلغت حدودها القصوى مؤخرا، رغم ذلك لم يفعلوا شيئا.
وذكر لنا القائد العسكري ان المسلحين كانوا في البداية يهاجمون بالآلاف ومنذ اشهر بالمئات والآن بالعشرات فقط، ورغم امتلاكهم احدث الاسلحة النوعية.
في القاعة العامة في حضر اقيم احتفال والقيت الكلمات التي اكدت على الصمود وحيا الاهالي مواقف وهاب وانهم لن يحيدوا عن الخط العربي، كما التقى وهاب مسؤولي المحاور العسكرية والعديد من ضباط الجيش العربي السوري والحلفاء.
ورغم الحصار اصر الاهالي على اعضاء الوفد تناول الغداء على الطريقة العربية للتأكيد على عادات الآباء والاجداد ومبادىء سلطان باشا الاطرش بتكريم الضيف، حيث يقوم نساء القرى بتحضير وجبات الغداء للمقاتلين ولعناصر الجيش السوري وهذا الاحتضان الشعبي ساهم في رفع معنويات الجيش.
وبنفس الحفاوة غادر الوفد على اصوات «الحداء» والاهازيج ونثر الارز وفي ظل اجراءات امنية مشددة ووسط رصاص قنص متقطع.
لكن اللافت ان اهالي حضر لم يسمعوا ولم تصلهم مطلقا اخبار الاتصالات والمفاوضات حول «تحييد» حضر وغيرها ولم يتم التفاوض مع اهالي القرية مطلقا وبالتالي يستغربون مثل هذه «الاخبار» وهم لا خيار عندهم الا الصمود لأنهم لم يروا من النصرة الا القتل والذبح والحصار. وهؤلاء قوم يقول الاهالي لا يمكن الوثوق بهم ويعتبرون الدروز كفارا، وارسلوا رسائل بهذا المعنى الى اهالي حضر، وهم هجروا كل قرية «معبر المير»، ويؤكد اهالي حضر انهم يرون وبشكل واضح التعاون بين النصرة والجيش الاسرائيلي والاجتماعات على الحدود، وهذا التعاون ادى الى سيطرة اجناد الاسلام على «التلول الحمر» التي تشرف على البلدة حيث لا امكانية لنا في الدعم لمواقع امسلحين في التلول الحمر دون المرور على الجيش الاسرائيلي، وان هذه «التلول» لا تبعد سوى 200 متر عن المواقع الاسرائيلية التي نقلت اكثر من 150 جريحاً من النصرة الى اسرائيل اثناء الاشتباكات الاخيرة، وكذلك الى بيت جن وغيرها من مناطق المسلحين، كما ان الجيش الاسرائيلي يتولى نقل كل المعلومات الى المسلحين، ويقومون بالتشويش على الاتصالات اثناء المعارك، وبالتالي لا يمكن للدروز الوثوق بهؤلاء، وان مجزرة «قلب لوزة» خير دليل، وان الدروز يفضلون الموت الف مرة، على العيش بذل وخنوع، وهم لا يطلبون من دروز لبنان والمشايخ الا «الدعاء» لكي يتجاوزوا هذه المحنة، ولا خروج لهم منها الا بانتصار دولتهم ولا بديل عنها.
(الديار)