الغرب يحذر… حزب الله جاد… والمستقبل «يلعب بالنار» ابراهيم ناصرالدين
هل يبقى لبنان بمنأى عن تداعيات الازمات المشتعلة في المنطقة؟ سؤال عاد الى الواجهة من جديد مع اقتراب التطورات من لحظات حاسمة يرى فيها الكثيرون انها ستكون مفصلية في تحديد «بوصلة» الاحداث في المرحلة المقبلة؟ اوساط ديبلوماسية غربية في بيروت ابدت الكثير من القلق على الاستقرار «الهش» على الساحة اللبنانية بناء على معطيات ومعلومات تحدثت عن حاجة اكثر من طرف للتعويض عن خسائره على «جبهات»اخرى بفتح «جبهة» جديدة تشكل «خاصرة رخوة» يمكن الاستثمار فيها لخلط «الاوراق» واستخدامها لاحقا في «البازار» المفتوح حول مستقبل المنطقة. هذه المعلومات متوافرة لدى كافة القيادات اللبنانية التي تم اطلاعها على ارتفاع منسوب المخاطر مع توصية بضرورة خلق مناخات «تبريد» تساعد على امتصاص اي عمل «ارهابي» قد يكون شرارة لاحداث كبيرة على الساحة اللبنانية المفتوحة امام مختلف اجهزة الاستخبارات الاقليمية والدولية، فضلا عن وجود «بيئات حاضنة» للمجموعات التكفيرية المرتبطة بتلك الاجهزة، والجاهزة للعمل بعد الاذن لها بذلك. لكن هل تعاملت القوى اللبنانية مع تلك المخاوف بجدية؟
اوساط في8 آذار اشارت الى ان حزب الله وقبل ورود هذه المعلومات يتعامل مع هذه المخاطر بجدية متناهية لانه يدرك ان قرار الاستقرار في الداخل مرتبط باجندات اقليمية ودولية قد تتغير بتغير المصالح، وهو لذلك اطلق معركة الحسم في جرود القلمون لسد اهم منفذ يمكن للجهات الخارجية العبور منه لهز الاستقرار الداخلي، وفي نفس الوقت انفتح على الحوار مع تيار المستقبل على قاعدة تأجيل الخلافات الرئيسية والعمل على حل الجزئيات المتصلة بتخفيف الاحتقان الداخلي وبالتوازي نصح الحزب تيار المستقبل بالانفتاح على الجنرال ميشال عون لطمأنة المسيحيين في ظل الصراع الوجودي لهذه الشريحة المعتبرة في المشرق العربي.
ومع وصول هذه التحذيرات الى بيروت زادت قناعة الحزب بان ما بدأه كان صوابا على الحدود الشرقية، والمخاطر المرتبطة بتوسع العمليات الارهابية وبلوغها حدا غير مسبوق سيدفع باتجاه تسريع العملية العسكرية وتوسيعها لتشمل قريبا منطقة الزبداني بغية اقفال ملف الحدود الشرقية نهائياً ومنع اي تهديد للمعبر البري الوحيد لسوريا مع العالم. وفي الداخل ثمة سعي جدي لتفعيل التواصل مع تيار المستقبل لمحاولة تفعيل عملية فصل الساحة اللبنانية عن تداعيات الساحات الاخرى في المنطقة، وفي هذا السياق تعاملت قيادة الحزب بمسؤولية عالية جدا مع انفلات الشارع قبل ايام على خلفية الاشرطة المسربة من سجن رومية، وجرى التواصل مع رئيس الحكومة تمام سلام بصفته الرسمية وكونه «الرجل» الاكثر عقلانية في الجهة المقابلة وتم اطلاعه على مخاطر ما تقوم به جهات قيادية في تيار المستقبل وجرى تحذيره من مخاطر ردات الفعل على الارض في مناطق حساسة تهدد الامن العام والاستقرار في البلاد وكذلك السلم الاهلي. لكن هل يقابل هذا الحرص بالمثل لدى الطرف الاخر؟
لا يبدو الامر كذلك، فثمة خلل كبير داخل تيار المستقبل يدعو الى الكثير من القلق والخوف ازاء المرحلة المقبلة، ولعل اكثر النماذج دلالة على ذلك مبادرة وزير العدل اشرف ريفي الى توجيه اصابع الاتهام المباشر الى حزب الله بالمسؤولية عن تسريب فيلم «التعذيب» في سجن رومية دون ان «يرف» له «جفن» ازاء ما يمكن ان يتركه هذا الامر من تداعيات ميدانية في خضم حالة «الهيجان» المبرمجة في الشارع «الازرق». لكن هل هذا الفعل مجرد «زلة لسان» او «سقطة» في اطار تصدير الازمة الداخلية في «المستقبل» بعد الاحراج الكبير الذي اصاب ريفي؟
هناك شيء من هذا القبيل، لكن ثمة امر اكثر خطورة برأي تلك الاوساط، فثمة «مجانين» في قيادة تيار المستقبل يعتقدون اننا بتنا في ربع الساعة الاخير قبل انقلاب المشهد في سوريا رأسا على عقب، ومعها سوف يكون مستقبل «حزب الله» على «المحك» بعد هزيمة ايران في سوريا، وهذه القناعة هي التي جعلت الرئيس سعد الحريري ينقلب على التفاهم مع الجنرال ميشال عون حول التعيينات الامنية، وهي التي تفسر استمرار الرفض السعودي لانتخابه رئيسا، واصحاب هذه الرؤية يعتقدون ان التريث مفيد لان الوقت لصالحهم، والاولوية راهنا لمنع حزب الله من تحقيق اي مكاسب.
وفي الانتظار، فان تيار المستقبل اختار «المدرسة الاردوغانية» في التعامل مع الظواهر الارهابية، ففي لبنان وخوفا من انتصار حزب الله والتداعيات المبالغ فيها على الساحة اللبنانية، يفضل «التيار الازرق» التعايش مع «جبهة النصرة» «بضمانات» اقليمية ان لا يمس هؤلاء التكفيريون بتياره «المعتدل»! والخوف المصطنع لدى هذا الفريق من الحزب يوازي خوف الرئيس التركي من قيام دولة تركية على حدوده مع سوريا، وخوفا من خلط الاوراق التي تصب في مصلحة النظام السوري يتبنى «داعش» ويسهل لها الدعم اللوجستي عبر الحدود وهذا ما حصل في مدينة كوباني. وهو دور يتقمصه في لبنان تيار المستقبل والنائب وليد جنبلاط الذين يعملون جاهدين لوقف اندفاعة حزب الله للسيطرة على جرود منطقة القلمون حتى لو تطلب ذلك «احتضان» «جبهة النصرة».
وبرأي تلك الاوساط، ثمة «مغامرة» كبرى يقوم بها هذا الفريق في توقيت خاطىء للغاية، فالرهان على سقوط النظام السوري ليس الا وهم، والرهان على المجموعات التكفيرية «لدرء خطر» حزب الله اثبت انه ليس الا «لعب بالنار» التي بدأت تلتهم كل الدول التي غضت النظر عن ارسال الارهابيين الى سوريا والعراق. ولعل خيبة الامل التي اصيبت بها الدبلوماسية السعودية بعد زيارة ولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان الى موسكو هي اكثر الامور دلالة على حراجة الموقف السعودي، فاعلام المملكة تابع هذه الزيارة باهتمام وصخب كبيرين، وفي المقابل لم يعط الإعلام الروسي الزيارة السعودية اي اهتمام. والاكثر اثارة في هذه الزيارة ان الوفد السعودي «لم يتجرأ» على الحديث في الملف السوري من «زاوية» موقف روسيا المؤيد والداعم لنظام الرئيس بشار الأسد، كما لم يشترط السعوديون ان يكون فتح المجال للتعاون الاقتصادي واعطاء موسكو عقودا تجارية مقابل تغيير موقفها من الأزمة السورية ـ كما حدث حين زار رئيس الاستخبارات السعودية السابق الأمير بندر بن سلطان موسكو مرتين في عام 2013 ولوحظ أيضا انه بعد يومين من لقاء الرئيس الروسي مع ولي ولي العهد السعودي حرص الرئيس بوتين على التصريح ان بلاده ستواصل تعاونها مع الرئيس السوري بشار الأسد للوصول إلى حل سياسي للأوضاع في سوريا، وجاء هذا التصريح ليبدد كل الامال السعودية بانعكاسات ايجابية لهذه الزيارة على موقف موسكو المؤيد للنظام السوري. فهل تغيب هذه المعطيات عن منظري «السقوط» الحتمي للرئيس الاسد؟
بالتأكيد لا، هم يملكون هذه المعطيات لكن لم تعد لديهم اي خيارات وهم ينتظرون الاستدارة السعودية التي لم تحصل بعد، ثمة رهان سعودي على فرنسا لاجهاض الاتفاق النووي الايراني مع الغرب، وثمة رهان على «جبهة النصرة» لقلب موازين القوى على الجبهة الجنوبية السورية ومحاصرة دمشق، وفي هذا الوقت يستمر «الرقص» مع «الشيطان» من خلال توفير «البيئة» الحاضنة المناسبة لتمدد الفكر التكفيري واصبح «اعتدال» «المستقبل» «حاضنة بشرية» ينمو فيها الإرهاب، وهذا ما يجعل الداخل اللبناني مشرعا على كافة الاحتمالت الخطيرة، مع تزايد مخاطر العنف التكفيري، وارتفاع منسوب خطر حصول اغتيالات سياسية، في ظل اصرار «التيار الازرق» على رهاناته التي ستحمل الفوضى الى الساحة اللبنانية، فثمة من يظن انه قادر على «لي ذراع» حزب الله كمقدمة لهزيمته؟ ويظن ايضا ان الحزب سيكون مجبرا على التسليم بموازين القوى الجديدة؟!
(الديار)