المشكلة سعودية أصلا
غالب قنديل
تدور نقاشات عبر الصحافة السعودية بصدد الإرهاب التكفيري ومخاطره داخل المملكة ويبدو واضحا وجود اتجاه رسمي لتمويه المشكلة وطمس حقيقتها كمعضلة تكوينية في قلب المؤسسة الوهابية السعودية رافقت نشوء المملكة وتاريخها المعاصر وهي ناتجة عن سلوك المملكة طريق احتضان الإرهاب التكفيري وتوظيفه في الخطط الأميركية للهيمنة على العالم مقابل أصوات خجولة وخافتة تطرح ضرورة معاينة المشكلة والتعامل معها من الداخل بوصفها خطرا كامنا يستدعي معالجة اجتماعية وثقافية وامنية في آن معا وهي في الواقع سياسية قبل كل شيء.
اولا الصراع المزمن بين اتجاهين رئيسيين داخل المؤسسة الوهابية يتجدد بصورة مستمرة منذ قيام مملكة آل سعود ومع كل ازمة كبرى في الداخل او المحيط يتبدى ذلك الصراع وتلوح نذر انفجاره وقد اهتدت المملكة إلى المخرج بفضل مشورة أميركية قبل اكثر من ثلاثين عاما فعمدت لحماية نفسها بعد انتفاضة جهيمان في الحرم إلى اتباع خيار تصدير الإرهاب التكفيري واستخدامه في حروب متنقلة عبر العالم للتخلص من خطر الساخطين في الداخل السعودي والتنقل بهم عبر الحدود بتجنيدهم في حروب ومعارك تحت الشعارات الإسلامية التي ساهم في نسجها دعاة الأخوان اللاجئون في حضن آل سعود من مصر وسوريا خصوصا وعلى الرغم من لعنة أفغانستان التي لحقت بالولايات المتحدة وبالمملكة نفسها جراء التورط في إنشاء ورعاية شبكة القاعدة في العقدين الأخيرين من القرن الماضي فقد استمر توظيف التكفيريين في الخطط الحربية الأميركية السعودية وبلغ هذا التورط أقصى درجاته في سياق العدوان على سوريا .
ثانيا الصدى الذي خلفته عملية تفجير مسجد الإمام الصادق في الكويت يمثل نموذجا لطريقة الحكم السعودي في طمس حقيقة تورطه بدعم الإرهاب التكفيري ومسؤوليته عن ارتداد الخطر إلى داخل المملكة ومنطقة الخليج فبعد كشف السلطات الكويتية عن كون مفجر المسجد سعودي الجنسية خرج الكاتب داود الشريان الذي يتميز بشيء من الرصانة ليطالب السلطات الكويتية بالإعلان عن الدولة التي دبرت التفجير محلقا باتهامه صوب دمشق وبغداد وطهران في تعميم لخرافة بالية عن علاقة هذه الدول بداعش التي يمثل السعوديون في هيكلها القيادي والقتالي نسبة مهمة لا يضاهيها غير العراقيين والأتراك والشيشانيين ولم يفت كثير من الزمن لنسيان الطبل والزمر السعودي غداة عملية الموصل التي كانت بمثابة الإشهار لقيام داعش ولوجودها وقد وصفت لأشهر متواصلة في إعلام المملكة على انها ثورة شعبية عراقية إلى ان أشعل الرئيس الأميركي ضوءه الأحمر وحذر صراحة من خروج داعش عن السيطرة وهو ما تشير إليه راهنا عمليات التنظيم في الكويت وفرنسا وتونس وغيرها.
ثالثا فات الشريان وهو الصحافي المتابع ان يدقق معلوماته فطالب السلطات الكويتية بالإعلان في ضوء التحقيقات عن الدولة التي قدم منها المفجر ولو افترضنا ذلك قرينة اتهام بالمسؤولية يصبح اتهام المملكة السعودية بالتدبير والتخطيط هو النتيجة العملية لمنطق الأستاذ الشريان بناء على المعلومات التي نشرتها الحياة في نفس عددها الذي حمل مقالته التي طلبت منه على عجل كما يبدو، فقد روت الصحيفة في تقرير خاص أن المفجر قدم إلى الكويت في طائرة أقلعت من مطار الرياض وان الداعشي فهد سليمان القباع لم يغادر المملكة ولم يكن في سوريا او في العراق او في إيران وهو ناشط في إطار الجماعات الداعمة للتكفيريين داخل المملكة وقالت الصحيفة إنه “كان من النشطاء في تجمعات المطالبة بإطلاق موقوفين أمنياً عُرفت باسم «فكوا العاني»، وهي صفة مشتركة جمعته مع صالح القشعمي منفّذ تفجير مسجد القديح في محافظة القطيف (شرق السعودية) الذي وقع في شعبان الماضي. كما يشتركان في توقيف عدد من أقاربهما في السجون السعودية، بتهمة «التحريض» و«الإرهاب» “.
رابعا المشكلة هي سعودية أبا عن جد ولا تفيد في طمسها فنون البروباغندا والتضليل والتعمية لإخفاء حقيقة انه لم يعد بمستطاع المملكة استعمال الإرهاب التكفيري الداعشي والقاعدي لتدمير سوريا والعراق واليمن وليبيا والصومال دون ارتداده على الأمن السعودي والخليجي وقد سبق ان وقع ذلك الارتداد عبر أفغانستان البعيدة آلاف الأميال فكيف يمتنع على مسافات أقل بكثير وعبر حدود متجاورة ومتداخلة وسهول وممرات ممتدة في البوادي العربية وطالما ان بذرة التكفير هي الدعاية الوهابية نفسها وتبث عبر قنوات التكفير سعودية المنبت والتمويل مثلها مثل منظمات الإرهاب العابرة للحدود وما لم ترتدع السعودية وحلفاؤها في الغرب عن وهم الجمع بين الاستعمال ومنع الارتداد وتجاهل دروس الحادي عشر من أيلول وأهمها إمكانية خروج التكفيريين عن السيطرة فسوف تتكرر الكوارث والخسائر التي تجلبها السياسات العدوانية إلى معاقل المدبرين انفسهم .
بدون شك تذكر الكويتيون امام هول الجريمة ما قامت به جمعيات تكفيرية متطرفة من حملات لدعم الإرهاب في سوريا وتورط العديد ممن جندوا في القتال وفي جمع الأموال لحساب عصابات الإرهاب في سوريا وفي لبنان والعراق ومثلهم تذكر التونسيون ما حشد من ابنائهم وبناتهم في الفصائل القاعدية الأخوانية تحت شعار النفير إلى بلاد الشام اما الفرنسيون فعليهم ان يتذكروا مآثر حكومتهم في دعم الإرهابيين في سوريا وفي تسويق كذبة الثورة المزعومة التي اخترعها الناتو وبرعت باريس في تسويقها ووهبت بموجبها كامل التسهيلات والحماية لجمعيات التعبئة والحشد وهي اليوم تحصي أعداد المتورطين الفرنسيين في داعش وجبهة النصرة وغيرها من منظمات الإرهاب الوهابية الأخوانية التي لم تنفع دمى الواجهات الارتزاقية من أضراب برهان غليون في حجب حقيقتها.