عشرات المسلسلات فمن يشاهد
فاطمة طفيلي
يحفل شهر رمضان هذا العام بعشرات النتاجات التلفزيونية المخصصة للشهر الفضيل بالذات، إذ ترتفع نسب المشاهدة مع ازدياد فترات السهر والمتابعة، ويجهد القيمون على المحطات بابتكار برمجة على مدار اربع وعشرين ساعة، بحيث يمكن للمتابع ان يتنقل بين القنوات كيفما اتفق ليصادف مسلسلا أو برنامجا أو سهرة تلفزيونية رمضانية، اللهم إلا عندما تتزامن الفترات الاعلانية على المحطات في ما يشبه التواطؤ لإلزام المشاهد بمتابعة محطة دون الأخرى، بدلا من الجمع بين أكثر من واحدة وفق ما تقتضيه ضرورة المتابعة لمن يحرصون على ألا تفوتهم شاردة أو واردة مما يعرض. وكثيرا ما يكون الامر مجرد استعراض أبعد ما يكون عن الاستماع باختيارات مناسبة.
أما من يريد الاختيار فيستحيل عليه متابعة ما يتخطى عدد اصابع اليد الواحدة من المسلسلات، والاكتفاء بالمرور على ما تبقى مرور الكرام، أو الاستعاضة بالإعلانات وما تتضمنه من تكثيف للحلقات تحت عنوان التشويق واجتذاب النسبة الاكبر من المشاهدين، أو اللجوء إلى المواقع الالكترونية الخاصة بكل قناة والاستفادة من نعم الـ ” DOWNLOADS” المتاح عند الطلب، والكل في سباق محموم لحيازة العدد الاكبر من المشاهدين أو ادعاء ذلك، مستعينا بشركات الاحصاء وما أدراك، وعندها الكل أول، لكن المفارقة أن نسبة المشاهدة في اليوم الخامس للعرض لم تتخط الـ11.7 لأضخم الانتاجات واكثرها كلفة وحشدا للأسماء والوجوه، والحائز على قصب السبق عند شركة يأتي ثانيا أو ثالثا عند الأخرى، مع اختلاف الجهة المشرفة، وكذلك العينات المستطلعة، ناهيك عن استحالة شمول الاستطلاعات واقتصارها على عدد محدود من العناوين التي تهم الشركة الممولة.
حوالى مئة وخمسة عشر عملا رمضانيا، وأضعاف مضاعفة من الضيوف يجولون على الشاشات والمنافسة بين القنوات على أشدها، ليبقى السؤال الجوهري أين المشاهد من كل ذلك، وكيف سيتاح له رويتها إن أراد؟!. والاجابة الاكيدة انه ضرب من المستحيل حتى وإن تفرغ للمشاهدة دون غيرها، مستقيلا من أي عمل آخر مهما كان يسيرا، حتى ولو اتته وجبات الطعام جاهزة إلى حيث لا يبارح مكانه أمام الشاشة، فهل سيتمكن من إحياء الشهر بكامله على ذات المنوال، ومتى ينام، وماذا عن فرائض الصوم وواجبات الصائمين وهو شهر الصلاة والعبادة والتقرب إلى الله؟!.
مع هذا الكم الضخم من العروض والأعمال المحشورة حصرا في ثلاثين يوما يصبح الحكم على نجاح عمل وفشل آخر نسبيا وغير منصف، طالما لم تتح مشاهدته للجميع وفي الاوقات الملائمة، ويصبح الحديث عن نسب وأرقام محصورا بفئة وبعناوين محددة تنال نعمة الفوز باختيار المشاهد، الذي حسم امره منذ البداية واختار عددا من المسلسلات، يحكمه حبه لأبطالها حصرا، او تلك التي اغرته مواضيعها ومعالجاتها الجديدة، وهي قليلة، ولا سيما ان معظم الوجوه تتكرر في غالبية الاعمال بشكل ينسى معه المشاهد في اي مسلسل عرف هذه الشخصية او تلك.
يبقى ضروريا القول ان هناك اعمالا قيّمة تستحق المتابعة، ولا سيما تلك التي تحاكي الواقع وتتناول بالمعالجة أحداثا تضج بها المنطقة وتؤرق أهلها، الذين يواسيهم أن يروا صدى ما يعيشون من معاناة، وما يلحق بهم من ظلم وتنكيل وقتل قارب حدّ التفتيت او الابادة، منظورا ولو بحده الادنى من الانصاف من خلال التوثيق والحفظ للتاريخ وللأجيال الطالعة، تستفيد منها وتعتبر، كي لا يبقى التاريخ يعيد نفسه على ذات النهج والمنوال، علنا بذلك نؤسس لغد افضل مستفيدين من عثرات الحاضر وكبواته، وفي هذا المجال أعمال تروي حكايا المقاومة منذ نشوئها مع بداية الاحتلالات المتعاقبة إلى اليوم، واخرى تحكي ولو نسبيا، قصص الارهاب والتكفير الزاحف إلى منطقتنا بوحشية فاقت الخيال، وبربرية تخطت كل حدود الهمجية والاجرام بما لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية كله.
وللإنصاف يُسجَل للأعمال السورية، ورغم الازمة التي تعيشها سورية وأهلها حضور يكاد يكون طاغيا، على كل الشاشات بلا استثناء، ويندر ان تخلو قناة من عمل أو اثنين على الاقل، كما يسجل للنتاجات السورية تنوعها ومعالجتها لكل المواضيع سواء التاريخية أو المعاصرة، وبكل انواع الفنون من الدراما إلى الكوميديا، وللمشاهد الحكم الأول والاخير، وان كان مبكرا إطلاق الاحكام ولم نبلغ بعد نصف شهر من المتابعة.