للمراهنين على انفصال «حليف الحليف».. كلير شكر
قد يتحمّس الرئيس تمام سلام ليعيد بثّ الروح في جسد الحكومة القابعة في غرفة العناية الفائقة، فيعالجها ببعض الصدمات الكهربائية من خلال الدعوة لعقد جلسة «أمر واقع» تجمع أبناءها المتخاصمين على طاولة واحدة، على أمل تجاوز فخّ التعيينات العسكرية ومتابعة الدورة الحكومية، على علاتها.
وقد يتخيّل له أنّ إجازة الأربعة أسابيع التي مُنحت للبركان العوني كي يهمد نسبياً، قد تساعد على إيجاد مخرج لائق يعيد المعترضين الى بيت الطاعة، فتستعيد الحكومة بعضاً من عافيتها وتكمل مسيرتها في صحراء الشغور والشلل اللذين أوقفا عجلة المؤسسات الدستورية.
وقد يرضخ للضغط المكتوم الذي تمارسه «قابلته القانونية»، أي «تيار المستقبل»، في الدعوة لجلسة حكومية يكون هو الآمر الناهي في وضع جدول أعمالها، كما يعطيه النص القانوني حقاً.
ولكنه أيضاً، قد يترك أذنه للنصائح التي تشجعه على تمديد الإجازة حتى انتهاء شهر رمضان، فتكون الطبخة نضجت أو لاح شيء ما في الأفق من شأنه أن يخلق ما لا نعلم، أو تكفل الوقت في مداواة الأزمة.
إذاً كل الخيارات متاحة، طالما أنّه حتى اللحظة، لا تزال المشاورات الحاصلة على أكثر من مستوى تواجه حائطاً مسدوداً. فلا ضغط الرئيس نبيه بري وتنبيهه اليومي بأن الحكومة كاملة الصلاحية والميثاقية، نافع، ولا تلويح العماد ميشال عون بالنزول الى الشارع ليرفع من وتيرة تصعيده يؤدي مبتغاه، ولا رغبة لـ «حزب الله» بفك ارتباطه الحكومي مع حليفه البرتقالي ولا قدرة لديه على ابتكار صيغة لا تقتل الديب ولا تُفني الغنم.
بالنتيجة، لا يزال الأفق أمام انطلاق عجلة الحكومة من جديد، مقفلاً. وطالما أنّ فرصة تعيين قائد جديد للجيش لم تمتْ كلياً، على اعتبار أنّ المهلة لا تزال متاحة حتى أيلول المقبل، فإنّ جنرال الربية لن يرمي أو يحرق أوراق الضغط الموضوعة أمامه، ولن يستسلم بسهولة.
ولهذا فشلت المساعي المبذولة حتى الآن في اجتراح صيغة من شأنها إرضاء كل القوى الحكومية، وتحديداً طرفيّ النزاع، أي «تكتل التغيير والإصلاح» و «تيار المستقبل»، كي يلتقيا في مربع وسطي يكون بمثابة خط انطلاقة جديدة للمركب الحكومي.
هكذا، تُفهم محاولات رئيس المجلس في «الدفش» باتجاه إعادة تفعيل العمل الحكومي انطلاقاً من رغبته في عدم التفريط بهذه المؤسسة كونها آخر المؤسسات العاملة في الدولة، ولا بدّ من صيانتها من الأضرار المحيطة بها، وخشية منه في أن يؤدي الغضب العوني الى تشظي مجلس الوزراء وفقدانه مقومات المناعة.
لذلك، حاول «الأستاذ» اللعب على وتر الترغيب والترهيب اعتقاداً منه بأنّ هذا التمايز قد يساعد على تطويق حمم البركان التي باتت تتطاير يمنة ويسرة. ولكن عارفي الرجل يدركون جيداً أنّ هذا التمايز محكوم بسقف محدد ولا يمكن له أن يكون متفلتاً من كل الضوابط كما اعتقد البعض. لا بل راهن هؤلاء على خروج الرئيس بري عن سكة التحالف مع قوى «8 آذار» بحجة الخوف على الحكومة وعلى البلاد، إذ تقول شخصية بارزة في هذا الفريق، إنّ هناك من بالغ في قراءاته لما يمكن أن يكون عليه موقف «أبو مصطفى»، لا بل ردة فعله من الاعتراض العوني، وتضامن «حزب الله» معه.
بنظر هذا البعض، فإنّ رئيس المجلس قد ينأى بنفسه عن هذا التصعيد فيما لو اتخذ منحى تفجيرياً للحكومة، لا سيما أنّه في كل مرة يغمز من قناة «حليف الحليف» ويعزف على وتر ميثاقية الحكومة ودستوريتها، وكأنه يوحي بأنّ الحكومة «ماشية»، وستظل «ماشية» حتى لو تمرّد عليها الفريق المعترض.
ولكن ما يجهله هؤلاء أنّ ما يقوم به الرئيس بري من ضغط، هو محدود الهامش وسقفه واضح، لا لبس فيه. صحيح أنّه راهن على عودة «الأبناء الضالين» الى بيت أبيهم الحكومي بعد ثلاث أو أربع جلسات، وتبيّن له أنه مخطئ، إلا أن الرجل حريص على التحالف الإستراتيجي مع الجنرال عون، وهو ردد ذلك في أكثر من مرة، وبالتالي إنّ «الدفش» باتجاه تعويم الحكومة لا يعني أبداً فصل المسار والمصير عن «تكتل التغيير والإصلاح».
وتؤكد الشخصية البارزة في قوى «8 آذار» أنّ مساعي الرئيس بري لا يمكن أن تؤدي الى كسر العماد عون، لا سيما أمام الخصوم الآذاريين، ولا هو بوارد السير بهذ الخيار، حتى لو أراد الفريق الآخر تكريس هذا الواقع. وبالتالي إن ما يحاول فعله هو ايجاد صيغة توافقية لا يكون فيها «تكتل التغيير والإصلاح» كبش محرقة تفاهم تجري مياهه تحت قدميه.
ولهذا، فإنّ مربع التمايز الذي قفز اليه «أبو مصطفى» ليس مطاطياً ولا هو شاسع المساحة كما يُصوَّر للبعض، لأنه في حال قرر الثنائي عون ـ «حزب الله» رفع صوت الاعتراض وتسجيل خطوات اكثر قساوة، فسيكون الرئيس بري أول الملتزمين بهذا الموقف… ولن يكون هناك أي حجة للمصطادين بالماء العكر كي يلعبوا على وتر فصل المسارات بين أبناء الحلف الواحد.
(الأخبار)