«فرع المعلومات» ضحية صراع القيادات ابراهيم ناصرالدين
خلال توصيفه للصراع الدموي بين «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» في القلمون في خضم المواجهات مع المقاومة لم يجد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من كلام للتعبير عن واقع الحال الا بوصف تلك الجماعات بأنها «بلا عقل». هذا التوصيف الدقيق يصلح اليوم لوصف الصراع القائم بين قيادات المستقبل الذي كاد يتسبب باحراق البلد على خلفية تسريب اشرطة التعذيب في سجن رومية، اما لماذا هي «بلاعقل»؟ وما هي الدروس المستفادة؟ وما هي حدود الخسائر المتراكمة على التيار «الازرق»؟ اسئلة تجيب عليها اوساط سياسية بارزة في 8 آذار واكبت حالة الارباك والتخبط لدى القيادة المستقبلية التي احتاجت الى اكثر من «صديق» داخلي وخارجي للملمة الموضوع وتقليل الخسائر.
وبحسب تلك الاوساط فان ما حدث في رومية لتيار المستقبل شبيه بما حصل مع جبهة «النصرة» في قرية قلب لوزة الدرزية في ريف ادلب، هناك اجهض امير الجماعة او عبد الله التونسي «بحماقته» ما عملت عليه لاشهر طويلة اجهزة الاستخبارات الاقليمية والدولية بمواكبة من النائب وليد جنبلاط لتبييض صفحة التنظيم وتلميع صورته، فعجل بفعلته هذه توحيد دروز سوريا واقرانهم في الاراضي الفلسطينية المحتلة وراء دعم خيار الدولة السورية. وهنا ما حصل من تجاوز من قبل القوة الضاربة في فرع المعلومات بحق سجناء «اسلاميين» اضاع جهد سنوات طويلة من العمل من قبل تيار المستقبل الذي زرع في عقول اهل السنة في لبنان بأنه نجح اخيرا في انشاء جهاز امني مواز يخدم مصالحهم في وقت الشدة في ظل التشكيك المستمر «بولاء» الاجهزة الامنية الاخرى المتهمة بالتبعية لحزب الله. هذا الامر شكل صدمة واحباط للجمهور السني الذي اكتشف بأن هذا الجهاز في عقيدته الامنية وممارساته «وراء الجدران» المغلقة يتماهى مع الاجهزة الاخرى بل يتجاوزها باشواط في شدة تعامله مع «الحالة الاسلامية». ومن سرب الاشرطة أراد اسقاط وزير الداخلية من خلال القول لهذا الجمهور انه لم يكن بعيدا عن صورة ما حدث ولاذ بالصمت نحو شهرين لان ما حصل يتماشى مع نظرته «العلمانية» المتطرفة لكل ما هو «تيار اسلامي»، لكن الوزير خرج سالما من الازمة في المقابل الخسارة الكبرى تمثلت في تشويه صورة فرع المعلومات لدى هذا الجمهور.
من جهة اخرى جاءت ردود الفعل على الواقعة لتعري الشعارات الكاذبة حول «مظلومية» اهل السنة، فالقيادات المتطرفة في المستقبل خسرت مادة دسمة للتحريض وشد عصب الشارع، فما جرى في سجن رومية على قساوته، نفذه جهاز غير مشكوك في ولائه السياسي، هؤلاء تحت قيادة عسكرية سنية، ومرجعيته الوزارية سنية ايضا، تضيف الاوساط، اذا ارتكب هذا الفعل «المدان» على خلفية امنية لا مذهبية، ومن كان يقوم بفعل التعذيب لم ينطلق من خلفية حقد او عداء لمذهب بعينه، وانما تعامل مع واقع امني متوتر في السجن، وتعرض لسجناء متمردين على القانون ومتهمين بارتكاب افعال ارهابية. هذه «الصورة» لم تكن في حساب هؤلاء فمجرد رسوخها في اذهان جمهورهم يفقدهم مادة دسمة للاستثمار السياسي، كما حصل قبل ذلك في عبرا عندما تجند كل هؤلاء لكيل الاتهامات للجيش، وجاءت واقعة رومية تثبت حقيقة ان الحرب هي على الارهاب والتطرف وليس على اهل السنة.
طبعا الخسائر لدى تيار المستقبل لا تقف عند هذا الحدّ تؤكد الاوساط، فقد «ثبت» «بالوجه الشرعي» بان الشارع الذي اعيد تحريكه مجددا لم يكن شارعا سنيا «فالت» من «عقاله»، واكتشف المعنيون بالملف الامني ان الكلام عن احتقان في الشارع السني مبالغ فيه، وتبين مجددا ان «التيار الازرق» يمون على هؤلاء، واتضح ايضا ان ما حصل ليس حالة عامة وانما تحرك مبرمج من قبل عدد محدود جرى التحكم بهم من قبل قيادات ميدانية وبالتنسيق مع شخصيات «مستقبلية» حددت بوضوح سقف التحرك ومطالبه، وقد اضاف هذا الحراك الى «الداتة الامنية» معلومات لم تكن متوافرة سابقا عن عدد من الناشطين على الارض. واثبتت «البروفا» الجديدة ان التيارات الاسلامية «الغاضبة» من تصرفات وزير الداخلية، لا تزال تحت «عباءة» السعودية وقطر اللتين تتقاطع مصالحهما حاليا على معادلة استمرار التهدئة في لبنان. ولذلك كان النزول الى الشارع والخروج منه على توقيت المصالح الاقليمية التي لو شاءت لحركت هؤلاء على خلفية المواجهات في القلمون وهو سبب اكثر وجاهة من التسجيلات المسربة.
لكن استخدام الشارع سلاح ذو حدين ومغامرة كبيرة لا يملك تيار المستقبل ترف تحمل نتائجه، وفي هذا السياق تضيف الاوساط، كانت الاتصالات «والرسائل» واضحة خلال ساعات الشغب حيث ابلغ قيادات «التيار الازرق» انه من غير المسموح ان تؤدي تصفية الحسابات الداخلية الى احراق البلد، فاذا اراد وزير العدل تحجيم او اسقاط وزير الداخلية فعليه ان يجد طريقة اخرى غير قطع طريق الجنوب، والطرقات الرئيسية في البقاع او بيروت، حزب الله غير معني بالتصعيد لكن ثمة «خطوط حمراء» بدأ البعض بتجاوزها ويجب ان تنتهي هذه «المهزلة» فورا. هذا ما حصل بعد ساعات معدودة تدخل خلالها الرئيس سعد الحريري مدعوما باتصالات سعودية اجريت مع ريفي وبعض القيادات «الاسلامية» لوقف التصعيد. فيما «هرول» نادر الحريري مسرعا الى وزارة الداخلية بعد ان وصلت الى مسامع الشيخ سعد انباء عن نية المشنوق بالاستقالة بعد ان شعر بانه متروك دون «مظلة» سياسية تحميه. طبعا يدرك الحريري «الغاضب» من ريفي ما يعنيه «خروج» المشنوق بهذه الطريقة وهو الرجل الاقوى في السعودية في هذه المرحلة.
اما اتهامات الوزير ريفي لحزب الله بتسريب المشاهد، فمثيرة «للضحك» و«السخرية» في آن واحد، والاسباب عديدة برأي تلك الاوساط اهمها ان وزير العدل اراد الخروج من مأزقه بالتصويب على حزب الله فاصاب فرع المعلومات كما زاد من احباط جمهوره، فهو اخبرهم ببساطة ان هذا الفرع غير محصن والحزب استطاع خرقه تقنيا او من خلال عامل بشري، وهذا استدعى عتبا كبيرا من احدى القيادات الامنية التي طالبت الوزير بتوضيحات حول طبيعة هذا الخرق؟ وكيف وصلت الصور الى الحزب، طبعا لاجواب. اما في المضمون فتبقى الاسئلة الاهم التي لا يملك ريفي الاجابة عليها ومنها: ما هي مصلحة حزب الله في تفجير الحوار مع تيار المستقبل؟ هل يملك الحزب مصلحة في اضعافه لصالح التيارات التكفيرية في الشارع السني؟ وهل من مصلحة الحزب اشعال الاضطرابات في الشارع السني في هذا التوقيت المتزامن مع عملياته العسكرية في جرود القلمون؟ وهل من مصلحة الحزب اضعاف وزير الداخلية المتعاون في الكثير من الملفات الامنية؟ واين تكمن مصلحة حزب الله في «فضح» فرع المعلومات المحسوب على تيار المستقبل اذا كان افراد من هذا الجهاز يرتكبون مخالفات بحق «خصومه»؟ وبماذا يستفيد الحزب من عملية النشر؟ فمن باب اولى «التغطية» على الامر وعدم احراج الفرع الذي بدا البعض في استغلال ما حصل «لتكبيل يديه» والحد من نشاطه ضد المجموعات الارهابية تحت عنوان تهدئة «خواطر» الشارع السني «الملتهب». فهل هذه النتيجة تفيد حزب الله؟ ام تصب في مصلحة بعض الباحثين عن دور والمرتبطين بمشاريع خارجية ويسعون «لارباك» المقاومة في الداخل؟
هذه الخلاصات تجيب عن السؤال المركزي لماذا قيادات المستقبل «بلا عقل»؟ فهي تخوض صراعات داخلية على مستقبل سلطة مجهول، تخسر المزيد من جمهورها، وتقدم «هدايا مجانية» «لخصومها»، والارباح «صفر». اليس من حق حزب الله ان يشكر الله لان خصومه «حمقى»؟
(الديار)