تحليلات إخبارية لا ثورة ولا وطنية !! ثريا عاصي
أعتقد أن الكثيرين في سوريا لاحظوا أن تنقلات الذين إنتحلوا صفة قادة لـ«الثورة» في سوريا، بين إمارة قطر واسطنبول وباريس والقاهرة وتونس، عندما كانت السلطة في هاتين العاصمتين الأخيرتين بأيدي الأخوان المسلمين، هي دليل ساطع على الدور الكبير والمؤثر الذي تلعبه الدول الإقليمية والغربية على الساحة السورية وفي المسار الذي اتخذته الأزمة الوطنية والإجتماعية التي كانت مفاعيلها تعتمل بالقطع في داخل المجتمع السوري، نتيجة الشعور بانسداد آفاق المستقبل، في أوساط شعبية عريضة!
بناء عليه يحق لنا أن نسائل الأطراف التي تزعم أن ما نشهده في سوريا هي ثورة حقيقية. بمعنى أنها تستجيب لمصالح السوريين في تحسين أوضاعهم المعيشية في الحاضر بالإضافة إلى أنه من المأمول أن تفتح هذه الثورة أمامهم مجالات العمل والتقدم من أجل تحضير المستقبل!
مجمل القول أن لب المسألة هو أن الثورة الوطنية هي في جوهرها فعل وطني، أي «تعبير إبداعي عن حلول مناسبة لمسألة وطنية هي خلاصة معاينة إجتماعية طويلة ومعرفة عميقة بالثقافة الوطنية في جميع حقولها المادية والعقائدية». هذا لا يعني أنه ممنوع على الثورة من أن تستفيد من التجارب الثورية في بلاد أجنبية. يستتبع ذلك أن الحكم على ما يجري في سوريا والموقف منه يفترضان الإلمام بالقضية العربية السورية، كونها القضية الأساس. تقاس بمعايير هذه الأخيرة جميع القضايا الوطنية الأخرى، اللهم إلاّ إذا اتخذ السوريون، بإرادتهم الحرة، قراراً بأن يتنصلوا من هويتهم القومية السورية العربية وبأن يختاروا بدلاً عنها هوية دينية أو عرقية!.
أوصلتني مداورة هذه المفاهيم في الذهن الى ثلاث مسائل أردت أن أضعها بين يدي القارئ لأن الإجابات عليها تصلح بحسب رأيي، لأن تكون قاعدة أو منطلقاً لحوار بنّاء وليس لسجال أو مناكفة كما هي عادتنا بما نحن أبناء عشائر وقبائل ملتزمون «أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً»!
ـ المسألة الأولى: تتعلق بثورية «الثورة» في سوريا! ماذا لدينا من معطيات بعد مضي خمس سنوات على اشتعال الحريق، تثبت أننا حيال ثورة وطنية. بمعنى إن اتهام السلطة بأنها كانت ديكتاتورية وإن بعض رموزها كانوا فاسدين، وبأنها «علوية» وليست إسلامية «سنية»، لا يكفي للدلالة على «ثورية» خصوم هذه السلطة وإظهار طهارتهم وكفاءاتهم. فالسياسات التي تطبقها جماعات «الثورة» في المناطق السورية التي استولت عليها تتميز عن سياسات الدولة بطغيان أشد شناعة وبإجرام بدائي وحشي! لم نقرأ أو نسمع ما يفيدنا عن المشروع الثوري، إلا ضرب الأعناق وفتح أسواق النخاسة وبيع السبايا!
ـ المسألة الثانية: إذا كنا لا نستطيع أن ننعت ما يجري في سوريا بـ«الثورة» يحق لنا أن نتساءل عن حقيقة أو طبيعة المشروع الذي اضطلعت بتنفيذه جماعات الغوغاء والمساكين الذين تجندوا في صفوفها، طلباً للرزق. بكلام أكثر وضوحا وصراحة، هل تقتصر مهمة هذه الجماعات على القتل ترويعاً، وعلى تفرقة الناس ونشر الدمار. وبالتالي هي سترحل هذه الجماعات لتترك المكان للاعبين آخرين، أم أنها ستبقى من أجل ضمان إستمرار الفوضى «حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا»! من البديهي أن هذا كله يعرض السوريين للخطر الشديد الذي قد يبلغ درجة محو وجودهم الوطني. ينبني عليه، إن ما تشهده سوريا هو في أغلب الظن تدخل أجنبي إستعماري غربي، سمح به تفسخ المجتمع السوري نفسه. لا يتسع المجال هنا للبحث في هذه المسألة. أما الغاية من ذلك فإنها لا تخفى من وجهة نظري على كل ذي بصيرة، ويمكن تلخيصها كالتالي: تصفية القضية الفلسطينية، تحجيم النفوذ الإيراني، منع سوريا ولبنان من استخراج النفط والغاز المحتمل وجوده تحت مياههم الإقليمية في المتوسط، لتكون هذه الثروة ملكية حصرية للمستعمرين الإسرائيليين، أو «شراكة» مع تركيا.
ـ قد يقول قائل لماذا لا يحق لـ«الثورة» في سوريا أن تتلقى الدعم والتشجيع من جهات خارجية. الإجابة هي أن عصر الثورات قد انتهى هذا من جهة. أما من جهة ثانية، فإن الدولة التي تمد يد العون إلى «الثورة» إنما تقصد من وراء ذلك إرساء نظام على شاكلة نظامها أو تابع لها، بينما تهدف الدولة التي ترسل المرتزقة والسلاح إلى بلد آخر، إلى تخريب هذا الأخير وتفريق سكانه.
خلاصة القول، إن الذين يدعمون الجيش التركي – السعودي في سوريا (جيش الفتح) يريدون أن تصير سوريا كمثل الولايات المتحدة الأميركية أو كمثل تركيا عضواً في حلف الأطلسي وشريكة المستعمرين الإسرائيليين في المنطقة، أو كمثل ليبيا أو الصومال أو العراق.
(الديار)