سوريّون أم دروز ! ثريا عاصي
من البديهي أن المجزرة البشعة التي راح ضحيتها في سوريا، في بلدة قلب لوزة، في منطقة إدلب، أربعون مواطناً سورياً، تهمنا إنسانيا ووطنياً، كمثل جميع الفعلات الشنيعة التي ألمّت بالمجتمع السوري، ونزلت قبل ذلك بالعراقيين واللبنانيين والفلسطينيين والجزائريين والليبيين والمصريين… ولا ننسى في الراهن ما يصيب اليمن على يد آل سعود الذين لا يردعهم رادع في هذا الزمان المعولم الذي توغلت فيه دول الغرب بسبب المأزق الإقتصادي الذي أخذ بخناقها، فسال لعابها رغبة بالإستحواز على خزائن مشايخ النفط، بجميع الوسائل والأساليب.
ما أود قوله هنا هو أن فهم ما جرى في البلدة السورية قلب لوزة يتطلب وضع هذه الفاجعة في سياق الحرب على سوريا وما يتخللها من فظائع، يتحمل مسؤوليتها الأخلاقية جميع الذين يشاركون في هذه الحرب. في طليعتهم الدول الغربية الإستعمارية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية، والرجعية العربية النفطية التي يسوقها آل سعود، بالإضافة إلى حكومة أردوغان المصاب بداء العظمة وبهوس الدولة العثمانية.
يمكن القول والقطع، وضعاً للأمور في نصابها الصحيح، إنه لولا الدعم الخارجي لما صمدت الدولة السورية في وجه إعدائها هذا من ناحية، ولو لم تكن الحرب التي تتعرض لها سوريا من نفس طبيعة حرب غزو العراق، أي في جوهرها حرب إمبريالية أميركية، لما طالت مدة خمس سنوات. المسألة هنا هي في أن الأطراف الأجنبية، غير السورية، الذين يقفون إلى جانب الدولة السورية يتميزون من الدول الأجنبية والمرتزقة التي تسعى إلى تدمير الدولة السورية وإلى تفريق السوريين!
كل فعلة شنيعة تتضمن رسالة. لا تشذ مجزرة قلب لوزة السورية عن هذه القاعدة. الدليل على ذلك نتبينه من الأصداء التي وصلت تردداتها إلى بلاد الأرز. تصدر زعماء طائفة الموحدين الدروز في لبنان في مواقفهم وتصريحاتهم، ما عداهم من محترفي العمل السياسي. هذا يعني بحسب القاموس السياسي اللبناني، أن ضحايا الجريمة التي ارتكبتها جماعة النصرة في منطقة إدلب هم من طائفة هؤلاء الزعماء اللبنانيين هذا من جهة، أما من جهة ثانية فهذا يؤكد وجود روابط وثيقة بين اللبنانيين والسوريين. من هم الذين أصروا وحصلوا على إقامة علاقات ديبلوماسية بين سوريا ولبنان؟!
السؤال الذي ينهض هو كيف قـُرأت رسالة بلدة قلب لوزة السورية؟ سمعنا في هذه المسألة أننا حيال جريمة فردية!. ما يعني ضمنياً أن «جبهة النصرة» براء منها. نما إلى العلم أيضاً أن بعض زعماء الموحدين اللبنانيين سوف يوظفون ما لديهم من علاقات دولية من أجل حماية أتباع الطائفة في سوريا. ممن؟! من التصرفات الفردية التي تسببت بسقوط أربعين قتيلاً ! عجيب أمر السياسيين في لبنان فهم لا يخافون التناقض. في المقابل فسر زعماء آخرون الرسالة بأن الموحدين في خطر، وبالتالي عليهم أن ينشئوا جيشاً من الموحدين الدروز من أجل الدفاع عن أنفسهم وعن أرضهم. ينسى القائلون بهذا الرأي أن الخطر يحيط بجميع السوريين على اختلاف آرائهم ومعتقداتهم وأن الجيش العربي السوري يتولى أمر الدفاع عن الوطن السوري. هكذا هم زعماء الطوائف والقبائل والعشائر، ما يزالون دون مفهوم الدولة والأمة!
من المحتمل في هذا السياق أن يكون هذا كله سجال غايته التمسك أو الوصول إلى الزعامة. بالتالي لا قيمة له في سياق المرحلة المصيرية التي تجتازها سوريا. إذ يجب ألا يغيب عن البال أن المجزرة في منطقة إدلب، التي تسيطر عليها «جبهة النصرة»، تقع في الوقت الذي يحتدم فيه القتال في جنوب سوريا بقصد السيطرة على محافظة السويداءـ جبل العرب ـ معقل سلطان باشا الأطرش قائد الثورة السورية ضد الإستعمار الفرنسي.
بكلام أكثر صراحة ووضوحاً، لا شك في ان رسالة «جبهة النصرة» موجهة إلى سكان محافظة السويداء، وإلى أتباع طائفة الموحدين الدروز تحديداً.
لا أظن أن الذين إغتالتهم «جبهة النصرة» في بلدة قلب لوزة إرتكبوا جرائم تستحق عقوبة الإعدام. أغلب الظن أن القصد من قتلهم كان الترويع والترهيب، صداً للموحدين الدروز عن القيام بما يمليه عليهم الواجب الوطني كسوريين، دفاعا عن وطنهم، في صفوف الجيش العربي السوري.
فمن المعلوم في هذا الصدد أن خطة تخريب سوريا وتمزيق النسيج الإجتماعي، تضمنت أيضا إفراغ سوريا من أكبر عدد ممكن من السوريين، واتخاذهم رهينة في مخيمات اللاجئين في تركيا والأردن ولبنان، وصولا إلى هدفين، أولاً منعهم من تأدية الخدمة العسكرية، ثانياً إجبارهم على الإنضمام إلى الجماعات المسلحة مقابل مساعدات عينية ونقدية.
إن الوضع في سوريا يهم في تقديري، جميع السوريين. لا أعتقد أن السوريين الموحدين الدروز أوكلوا أمرهم إلى زعماء في لبنان. تجدر الملاحظة ختاماً إلى أن استيراد السلاح إلى الدول النفطية الخليجية يتزايد بموازة كمية الدم المسفوك!.
(الديار)