إعادة تمركز الجيش السوري: البيئة الحاضنة ـ الانتشار ـ وعكس المعادلة عامر نعيم الياس
هجمات متعددة يتعرض لها الجيش السوري والقوات الرديفة في غير منطقة سوريّة. تعدّد لجبهات واستنزاف طاقة الجيش في أكثر من مكان بهدف الاستمرار في الحشد والتقدم. في الشمال «جيش الفتح» يشنّ هجوماً على سهل الغاب في محافظة حماة استكمالاً لعمليات إدلب، بغرض حرمان الجيش السوري من ضبط الاستقرار وامتصاص الصدمة. وبالتوازي مع ما سبق، وإمعاناً في الحرب المدمّرة على سورية والرهان المستميت على التقدم الميداني وانتهاز «الفرصة التاريخية» التي يوفّرها تراجع الجيش السوري عن مواقعه القتالية وخطوط التماس التي أرسيت في المواجهة. بدأ الهجوم في الجنوب السوري، وانتزع «اللواء 52» الذي يعتبر الأهم في الدفاع عن دمشق والسويداء التي كانت في عين العاصفة وتمّ الزجّ بعشرات آلاف الإرهابيين للسيطرة على مطار الثعلة والمدينة التي تحتضن غالبية دروز سورية، فهل جرت الرياح بما تشتهي سفن أعداء سورية؟
من الواضح أن الهجوم قد صدّ، بل أكثر من ذلك ما جرى مع دروز إدلب استدعى استنفاراً من جانب القوى المعادية لسورية من «تل أبيب» مروراً بجنبلاط وليس انتهاءً بـ«جبهة النصرة» التي نشرت توضيحاً لمحاسبة مرتكبي المذبحة بقصد عكس قيمة ما جرى لمصلحتها. لكن، من الواضح أن الرسالة من المذبحة المؤلمة سلكت الطريق الصحيح، فما جرى عرّى الفريق المعادي للسوريين، وضرب عرض الحائط مقولات العيش المشترك وقدرة المعارضة عى ضمان أمن المواطنين السوريين من دون تمييز عرقي أو طائفي، فالمعركة هي معركة وجود، والقوى الفاعلة على أرض «التغيير» في سورية هي قوى إلغائية تريد نشر المذهب الأوحد ولا شيء سواه، وهو ما ساهم في التحشيد الذي رأيناه في السويداء وفعّل البيئة غير الحاضنة للإرهاب إلى الحدود القصوى، هذا بالطبع ما حدث في الغاب أيضاً، وهو أمرٌ يثبّتُ استنتاجاً هاماً مفاده أن البيئة الحاضنة تبقى أحد أهم عوامل تحديد اتجاه سير المعارك في سورية، بغضّ النظر عن حجم وقوة الهجوم العابر للحدود.
العامل الثاني في تفسير ما جرى من صمود في السويداء وسهل الغاب، يعود إلى ما يمكن تسميته نجاح الجيش السوري والقوات الرديفة في عكس صيغة الانتشار لتستهدف العصابات المسلحة، بعدما كان هدف توسيع الانتشار يستهدف الجيش السوري، وهو ما اضطره إلى الانتشار على مساحات واسعة في طول البلاد وعرضها، وأدّى إلى سقوط النقاط التي تتعرض لهجوم عنيف ومركّز، خصوصاً من المناطق الحدودية، بطريقة دراماتيكية أثّرت على الرأي العام السوري. هنا كثرت التساؤلات حول الانسحابات المتكررة للجيش في الآونة الأخيرة، كان آخرها مقر «اللواء 52» في درعا، ولكن من الواضح أن إعادة الانتشار والتمركز وتوسيع الجماعات المسلّحة لرقعة انتشارها في مناطق حاضنة شعبية لها أدى إلى وضعها أمام معطيَين جديدَين:
الأول، الانتشار على مساحات جغرافية واسعة لم تكن قبلاً منتشرة بها، الأمر الذي يطرح أسئلة حول التمركز وكلفه أولاً، وكيفية إدارة شؤون الكتل الشعبية في المناطق الجديدة ثانياً، في ظل الانقسام في الجسم المعارض.
الثاني، كافة المناطق التي سقطت في سورية هي مناطق حدودية تقع على حدود دول معتدية على سورية تؤمن الإمداد والدعم وغرف العمليات للجماعات الإرهابية التي تحارب عنها بالوكالة، وعملية إعادة الانتشار اليوم ساعدت على رصّ صفوف الجيش وتجميع قوة مدافعة قادرة على المقاومة مضافاً إليها البيئة الحاضنة للجيش، وهو أمر سيؤدي إلى إنهاك الميليشيات المسلحة مع مرور الوقت والتمهيد مستقبلاً لشن هجمات معاكسة في المناطق التي احتلتها بالوكالة عن «الإسرائيليين» والأردنيين والأتراك.
مما لا شك فيه أن حجم الهجمة التي تتعرّض لها سورية حالياً يفوق التصوّر ويدفع باتجاه المطالبة بمزيد من المواقف الواضحة من محور المقاومة ورافعته الدولية روسيا، خصوصاً أنّ مسألة الغزو العابر للحدود أصبحت شيئاً طبيعياً لا أحد يشير إليه، لكن واقع تفعيل عوامل الصمود على الأرض والدفاع ما أمكن عن الأراضي السورية أمرٌ لا يمكن إنكاره أو التقليل من أهميته.
(البناء)