مقالات مختارة

لقاء بوتين- أردوغان: هل من جديد؟ حميدي العبدالله

 

عقد لقاء قمة جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان. من المعروف أنّ لقاءات القمة بين بوتين وأردوغان لم تتوقف على امتداد سنوات الأزمة في سورية، بل إنّ العلاقات الاقتصادية بين البلدين شهدت تحسّناً مضطرداً في هذه الفترة.

وكان واضحاً أنّ القمم السابقة كانت تخيّم عليها حسابات تدفع كلا الطرفين إلى تعزيز العلاقات بينهما على الرغم من اختلاف وجهات نظرهما حول ما يجري في سورية على وجه الخصوص. ومن بين هذه الحسابات، ولا سيما في السنتين الماضيتين، حرص روسيا على دفع تركيا إلى اعتماد سياسة منفصلة عن الحكومات الغربية، وخلق مصالح تركية مع روسيا تدفع أنقرة إلى عدم مواكبة الغرب في حملته ضدّ روسيا، ولا سيما على صعيد فرض عقوبات اقتصادية وسياسية، حيث لوّحت أنقرة بعد ضمّ جزيرة القرم إلى احتمال التصعيد ضدّ روسيا بذريعة الدفاع عن الأقلية المسلمة في القرم، كما أنّ لدى القيادة الروسية قناعة بأنّ تعزيز العلاقات الاقتصادية بين روسيا وتركيا، لا يصبّ فقط في وجهة تحييد تركيا عن صراع روسيا مع الغرب، بل يمنحها تأثيراً إيجابياً يمكن أن يؤدّي إلى إقناع الحكومة التركية بمراجعة سياساتها إزاء سورية، حتى وإنْ لم تؤدّ هذه الرهانات إلى أيّ نتيجة.

القمة الجديدة التي جمعت بوتين مع أردوغان تأتي هذه المرة في سياق سياسي يختلف عن السياق السياسي للقمم السابقة، ويتمثل هذا السياق بنتائج الانتخابات التركية الأخيرة. فمن المعروف أنّ نتائج الانتخابات قلّصت قدرة حكومة العدالة والتنمية وحدّت من خيارات أردوغان إزاء الحكومات الغربية. نتائج هذه الانتخابات سيكون لها تأثير مزدوج، والأرجح أنّ ذلك كان حاضراً في القمة الروسية التركية. يتجلى هذا التأثير أولاً، في أنّ نفوذ وتأثير الغرب على أردوغان وعلى سياسة تركيا بات أكبر مما كان عليه الحال قبل هذه الانتخابات. فجميع أحزاب المعارضة التي نالت 60 في المئة من مقاعد البرلمان هي أحزاب موالية للغرب بقوة أكبر من موالاة أردوغان وحزبه، وبالتالي يتوقع أن يكون حزب العدالة ، سواء ذهب إلى انتخابات مبكرة، أو شكل حكومة ائتلافية مع أحد أحزاب المعارضة، أو شكلت المعارضة بمفردها الحكومة التركية وانتقل حزب العدالة والتنمية إلى المعارضة، أكثر إذعاناً للضغوط الغربية، كما أنّ أردوغان كرئيس للجمهورية محدود الصلاحيات في نظام برلماني لن يكون قادراً على تحدّي الغرب وأن يتبنّى مواقف لا يرضى عنها الغرب، وهذا يعني أنّ هامش الرهان الروسي على تحييد تركيا في الصراع بين موسكو والغرب، سيكون أقلّ مما كان عليه الحال قبل الانتخابات، حيث كان هناك تقاطع مصالح يجمع القيادة الروسية وقيادة حزب العدالة والتنمية قائم على الاستقواء المتبادل للوقوف في وجه الضغوط الغربية وتحسين موقع موسكو وأنقرة التفاوضي في مواجهة الضغوط الغربية، ثانياً، باتت الحكومة التركية، والنظام التركي عموماً، في وضع أضعف من السابق لجهة رفض وجهة نظر روسيا إزاء الأوضاع في سورية، وتصبّ حصيلة التوازنات الداخلية التركية الجديدة في مصلحة وجهة نظر روسيا التي تدعو إلى الحدّ من التدخل التركي في الشأن السوري، وعرقلة الحلول السياسية، وهو الخيار الذي تسعى دائماً موسكو للترويج له، ولكنه لم يكن يجد آذاناً صاغية في أنقرة.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى