مرفوض لأنه من الجنرال!
غالب قنديل
تتعامل قيادة تيار المستقبل مع زعيم التيار الوطني الحر ومبادراته السياسية بمنطق سلبي يغلب عليه التحدي وحس المناكفة السياسية التي عبرت عنها تصريحات عديدة تضمنت اتهامات من العيار الثقيل ضد العماد ميشال عون ولم نطلع في أي من الردود والتعليقات على نقاش جدي يطرح الافكار والحيثيات المحددة للقبول والرفض امام المبادرات والافكار العونية التي طرحت مؤخرا بصورة تعكس حرصا وقلقا اتجاه الازمة المصيرية التي تعيشها البلاد والتي تواجه في ظلها تحديات الارهاب التكفيري وانعكاسات الاستقطاب الاقليمي والدولي الكبير .
اولا ليس لبنان في ترف النقاش حول الخيارات والحلول الامثل لمشاكله ولكنه في حاجة لفتح الباب امام الافكار الخلاقة التي يمكن ابتكارها لإخراج الدولة وهياكلها من حالة الاستعصاء والشلل الزاحف على جميع المؤسسات وبالتالي فمبادرة العماد ميشال عون كانت في محلها وتعكس حسا عاليا بالمسؤولية ومن تجاهلوها او ردوا عليها بالشتيمة وبتعميم الاستخفاف وبنفث الاحقاد المبطنة ليسوا جديرين بالمسؤولية وهم يعبثون بمصير البلد.
ان كان التذرع بعدم تعديل الدستور سبيلا لرفض احد اقتراحات الجنرال فماذا عن اجراء انتخابات نيابية تليها انتخابات رئاسية وحكومة جديدة ودون المس بالدستور الحالي الذي يستطيع المطالبون بتعديله سوق الف حجة.
الوعد بسن قانون انتخاب جديد على اساس النسبية كان التزاما سياسيا تغنى به سائر الأطراف وتم تعطيل التنفيذ عمدا عبر تعطيل النقاش الجدي في مشروع القانون الجديد في مجلس النواب من قبل قوى الرابع عشر من آذار والاصل في ذلك كانت خشية الرئيس الحريري والنائب جنبلاط خصوصا من انعكاس النسبية على حجمهما التمثيلي وكانت قيادة القوات اللبنانية في موقع نكاية الخصوم لأنها من القوى التي قد تساعدها النسبية على اكتساب حجم نيابي اضافي .
ثانيا الانتخابات العامة لإعادة تشكيل السلطة هي الخيار الطبيعي في الأزمات المستعصية وتأجيلها في لبنان بعد الرضوخ لعرقلة سن قانون جديد كان خدمة قدمت للحريري من غير مقابل بعدما نقل عن خشيته من وصول متطرفين الى المجلس ومن خطر وقوع انشقاق صريح في المستقبل وهي مخاوف كشفت جذورها نتائج انتخابات المجلس الشرعي التي أظهرت توزعا جديدا في الاحجام السياسية والتمثيلية داخل الطائفة السنية بصورة قد تهدد اي رهان على تجديد الموقع الاحتكاري للحريرية في الانتخابات النيابية.
قدمت للحريري هدية تأجيل الانتخابات النيابية دون أي مقابل ولو في حدود الانضباط بالعمل معا ضد التكفيريين فخروقات عدد من رموز المستقبل لهذا المبدأ الذي حملته رسائل ديفيد هيل عشية تشكيل الحكومة أي مقاتلة التكفيريين ما تزال مستمرة رغم جهود وزير الداخلية التي يتخللها تصعيد كلامي للوزير المشنوق يبرره بعض قوى الثامن من آذار بضرورات موازنة ثقل متطرفي المستقبل وهذا معناه ان مشكلة المستقبل الداخلية المفترضة تنعكس على البلد وعلى الحاجة إلى وحدة الإرادة في معركة مصيرية وحيث تعتمد مسايرات تطمس المشكلة الفعلية ومطرحها.
ادارة الظهر لاقتراح العماد عون اعداد واصدار قانون انتخابات جديد واجراء الانتخابات النيابية تمثل نموذجا للتصرف غير المسؤول الذي يحكمه الغل السياسي والكيد والتصميم على إخضاع البلد لأولويات ومصالح فريق يخشى أي تطوير للنظام السياسي لأنه عاجز عن الاحتفاظ بحجمه المتضخم الذي حصده بسبب ظروف داخلية وخارجية يصعب تكرارها.
ثالثا الصورة الحقيقية التي يجب أن تفتح لها وعليها عيون اللبنانيين هي ان العماد عون يقدم اقتراحات واقعية وعملية يرفضها الخصوم الذين يريدون تسيير البلاد على هواهم وباولوياتهم وبمراعاة مشاكلهم الحزبية بدلا من الأولويات الوطنية الوجودية التي يتنصلون منها وهم يتهمون الجنرال ظلما وعدوانا بأنه يتصرف بأنانية حزبية بينما هو يقدم نموذجا متميزا في محاولة التفكير بحلول جدية لأزمة مستعصية وغير عادية ولا تختلف عن سابقاتها عامي 1958 و 1975 حيث كانت القصة ابعد واعمق من انعقاد جلسة نيابية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية وفرضت على القوى الحية في البلاد اجراء تغييرات جدية في الدستور والمؤسسات.
أسهل الخطب السياسية هي الردحيات والشتائم لكن النقاش الوطني المسؤول شيء آخر يتطلب انفتاحا ونقاشا موضوعيا بعيدا عن المناكفة والمواقف الجاهزة والمعلبة التي يدمنها خصوم عون المحكومين بعقدة ” إلا الجنرال” وهم بذلك يفوتون على لبنان فرصا جدية وسط الفوضى والاضطراب الاقليمي والدولي والتحولات التي قد يفقد معها من تعودوا الرهان على الخارج حتى فرصة التفكير برهان جديد.