نُحبك يا حماس: تسفي برئيل
اسرائيل وحماس مع بعضهما البعض مرة اخرى. صحيح، إننا نعرف أن حماس تريد اسرائيل بسبب الاموال، واسرائيل مرتاحة من القوة التي تظهرها حماس في غزة، لكن الاحلام آخذة في التراكم: التهدئة لخمس سنوات أو عشر سنوات، فتح المعابر من اجل مواد البناء، بناء ميناء ويمكن ايضا إذن بتشغيل المطار.
ماذا يمكن أن يكون أفضل من زواج المصالح هذا، بالذات كون مصر منحت حماس ـ لكن ليس ذراعها العسكري ـ مكانة المنظمة الصالحة. «يجب التحدث مع حماس». تُسمع الآن نداءات التشجيع من كل الاتجاهات. هذه نداءات موجهة جيدا: التحدث مع حماس وليس مع الفلسطينيين، ليس مع محمود عباس ولا مع السلطة الفلسطينية، فهم ليسوا شركاء في أي شيء.
من يطالب بالتحدث مع حماس من خلال تجاوز عملية السلام ينسى درس الانسحاب من القطاع. اليكم تذكيرا بذلك.
ليس بسبب الانسحاب بدأت حماس باطلاق الصواريخ على اسرائيل. فحماس قامت باطلاق الصواريخ وتنفيذ العمليات ضد المستوطنين قبل الانسحاب، وهذا ما دفع الجيش الاسرائيلي إلى التركيز على شوارع قطاع غزة لدرجة أن الجيش لم يستطع عمل شيء آخر تقريبا. والجمهور الاسرائيلي ضاق ذرعا في حينه من كون 7 آلاف مستوطن يقومون بتشغيل ألوية كاملة. في نهاية المطاف قرر اريئيل شارون الانفصال عن قطاع غزة، ليس من اجل اقامة نموذج أولي لدولة فلسطينية مستقلة، بل كي يستطيع الابقاء على وحماية الضفة الغربية والقدس الشرقية.
كانت هذه خطوة أحادية الجانب، بدون مفاوضات، ليس مع حماس وليس مع السلطة الفلسطينية. بل على العكس. قاطعت اسرائيل الحكومة الموحدة مع حماس في أعقاب انتخابات 2006، تماما كما قاطعت محمود عباس عندما أقام حكومة التوافق في أعقاب المصالحة مع حماس. طالما لم ينجح عباس في السيطرة على حماس فلا يمكن، كما قالت اسرائيل، التحدث عن السلام. كانت هذه خدعة مقنعة. وكأنه لو نجح عباس «بالسيطرة» على حماس، لكانت اسرائيل مستعدة لرسم حدودها، وازالة مستوطنات وتقسيم القدس. لكن حماس كانت مبررا جيدا.
من شأن حماس أن تلعب دور المنقذ مرة اخرى. فبفضلها تستطيع اسرائيل التملص من المفاوضات السياسية وبثمن بخس. لأنه لا حاجة إلى التحدث مع حماس عن اخلاء مستوطنات أو انسحاب. وحماس لا تتوجه إلى محكمة الجنايات الدولية وليس لها صلة بالمقاطعة الآخذة في الاتساع ضد اسرائيل، وبشكل عام، فان حماس غير متلهفة على اتفاق سلام مع اسرائيل. حماس وغزة سيحصلان على الهدوء، وفي المقابل تستطيع اسرائيل القول إنه أخيرا هناك هدوء في غزة ولا توجد حاجة مُلحة للتقدم في عملية السلام.
هذا هو جوهر الكذب حول الحديث مع حماس. لكن يجب علينا أن نتذكر أن هذه المنظمة تلعب هنا دور الزوجة المضروبة، المسجونة في داخل غيتو تحيط به الجدران الكهربائية، فمواطنو القطاع لا يُسمح لهم الخروج إلى الضفة، والتصدير من القطاع ضئيل، والمساعدات التي وُعد بها في تشرين الاول 2014 عالقة في جيوب الدول المانحة، الحافلات المحملة بالبضائع من اسرائيل لا تكفي ربع الاستهلاك، أكثر من 50 بالمئة من السكان عاطلون عن العمل، الطلاب لا يستطيعون استكمال دراستهم وما زال عشرات الآلاف بلا مأوى بسبب عملية الجرف الصامد التي قامت بتطبيق خطة «اخلاء بدون بناء».
اسرائيل تتجاهل كل هذا. وتقيس الهدوء في غزة حسب معيار واحد: عدد الصواريخ التي تطلق من القطاع. هذا قياس يعتمد على ميزان الرعب، واسرائيل تقتنع أن هذا الميزان أقوى من ميزان اليأس. لكن الهدوء في قطاع غزة لا يملك حياة خاصة به. فهو يحتاج إلى أسس تضمن بقاءه، وليس في استطاعته أن يكون بديلا عن العملية السياسية العامة.
هآرتس