«الجنرال» يلعب آخر أوراقه: أبيض.. أو أسود! كلير شكر
يواظب العماد ميشال عون على استدعاء مناصريه اسبوعياً الى دارته في الرابية ليخطب فيهم مذكراً بالحقوق المهدورة، وداعياً إياهم للبقاء في حالة جهوزية تامة لأنّه قد يستعين بهم في أي لحظة للنزول الى الشارع.
يعني أنّ الجنرال لم يسقط هذه الورقة بعد من حساباته، ولا يزال يتعامل مع التطورات على أساس أنّ كل السيناريوهات واردة، وأنّ الباب لم يقفل أمامه، مع أنّ المؤشرات التي توضع على مكتبه يومياً تشي بوضوح أنّ ما كتب قد كتب.
أبلغه الحريريون الواحد تلو الآخر، بالمباشر وبالمواربة، أنّ تقديم قيادة الجيش على طبق مجاني، ليس وارداً بالنسبة لهم. أودعوه كل التوضيحات المطلوبة لإزالة الالتباس الذي نجم عن عشاء بيت الوسط، وأعادوا ترتيب سلّم الاستحقاقات: الرئاسة اولاً.. ومن ثم قيادة الجيش.
بالنتيجة قطعوا الطريق أمام أي محاولة جدية لوقف تمدد حمى التمديد التي تجتاح المؤسسات الدستورية والأمنية، وها هي تتجه سالمة من دون أي عراقيل تذكر نحو المؤسسة العسكرية للمرة الثانية على التوالي.
عملياً، كانت الخيارات المتاحة أمام الجنرال ثلاثة:
– إما يكون ضغطه مفيداً فيتمكن من دفع تيار «المستقبل» خاصة الى الرضوخ لمطلبه بتكريس المقايضة بين قيادة الجيش وقوى الأمن الداخلي، وبالتالي يكون الثــمن مقبــولاً ومتاحاً بالنسبة اليه.
– وإما يتمكن «تيار المستقبل» من اقتياده الى مربع التفاهم، مع انه ليس محمياً بمظلة اقليمية، فيتخلى الجنرال عن الرئاسة مقابل قيادة الجيش، ويكون بالتالي قد سلّم ورقته الأخيرة.
– وإما يتسمر في منطقة الضغط على طريقة لعل وعسى…
حتى الآن، كل من يلتقي رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» يلمس لمس اليد إصرار الرجل على مواصلة مســيرته الاعتراضية. صحيح أنّه نزل من الطوابق العلــيا في الاعتراض الى أدناها، أي من الاسـتقالة مــن الحــكومة الى حدود تعليق العمل في جدول الأعمال، لكن الرجل يرفض أن يزيح عن هذا السقف.
يسمع زواره كلاماً واضحاً برفضه التراجع عن هذا الموقف حتى لو بقيت الحكومة مشلولة الى زمن غير محدد. موقفه هذا غير قابل للتفاوض ولا حتى النقاش. لا بل، إنّ سلوك «المستقبليين» يشي بأنهم لا يكترثون كثيراً للغضب العوني ولا يخشون تداعياته أو تأثيره في التماسك الحكومي، لا سيما أن موقف الرئيــس نبــيه بــري شكّل رافعة قوية للحكومة وبالتالي انتكاسة لا يستهان بها لاستراتيجيات ومخططات «التيار الوطني الحر».
يتبيّن من ذلك كله أنّ ميشال عون قرر اللجوء الى الخيار الأخير، ليس من باب الانتقام أو الثأر بعدما أسقطت مخططاته، بل لأنه يعتقد أنه بلغ الحافة. هو حتى الآن لم يحقق هدفه، لا في قيادة الجيش ولا في رئاسة الجمهورية. ما يعني بنظره، أنه لا يزال خاسراً، وبالتالي إنّ الإبقاء على حالة الهجوم لن يضر، اذا لم ينفع.
هكذا، يُفهم من أداء الجنرال أنّه لن يتراجع الى الوراء، ولا مجال حتى الآن لأي منفذ قد يفتح باب التفاوض. بنظره ليس هناك أية أهداف جانبية قد يحققها في حال صياغة اتفاق على حساب هدفه الأول والأخير: الرئاسة. وبالتالي لا داعي للبحث عن مخارج تعيده الى بيت الطاعة الحكومي أو تخفف من حماوة عاصفته ما دامت كل البدائل التي قد توضع على طاولته لا تعوّض ما قد يخسره. باختصار، يخوض الرجل ورقته الأخيرة على طريقة أبيض أو أسود. ولهذا لا مجال للألوان الرمادية أو التسووية.
وبناء على خريطة مواقف القوى اللبنانية، يمكن القول إن هناك «سيناريو» واحدا من شأنه أن يقلب المعادلة المحلية ويعيد فتح أبواب القصر الجمهوري أمام ميشال عون، وهي التطورات الإقليمية إذا ما جرت رياحها وفق ما تشتهيه سفنه. أما غير ذلك، فلن يغيّر شيئاً في المشهد الداخلي.
ومن يسمع كلام الجنرال في الأيام الأخيرة يدرك جيداً أنه إذا لم يُنتخب رئيساً، فهو لن يكون صانع رؤساء كما يُراد له. بمعنى آخر، يرفض الرجل أن يمنح توقيعه… هذه المرة أيضاً.
(السفير)