أردوغان:الفشل ونهاية الوظيفة
غالب قنديل
تباهى رجب طيب أردوغان طوال السنوات الثلاث عشرة الماضية بالاستقرار السياسي والاقتصادي الذي حققه حكم حزب العدالة والتنمية وقد شرع كل ذلك يهتز ويتبدل منذ خمس سنوات لكن أردوغان تصدى بالمكابرة والإمعان لنتائج تورطه بخطة إثارة الأزمات والحروب مديرا الظهر لما أفرزته سياسته العدائية المتعجرفة اتجاه المنطقة وفقا لما سمي بالعثمانية الجديدة التي كانت تعبيرا عن طموحه إلى الحصول على تفويض غربي بالوصاية على دول المنطقة وشعوبها من خلال موجة الأخونة التي فشلت في سوريا بفضل صمود الشعب والدولة الوطنية وقواتها المسلحة ثم سقطت في مصر بعد انكشاف حقيقة تنظيم الأخوان كحاضن للإرهاب التكفيري وكقوة إلغائية تسعى لاحتكار السلطة السياسية ولتثبيت الهيمنة الاستعمارية وحماية إسرائيل.
أولا شكلت الانتخابات النيابية الأخيرة مفصلا مهما كشف انفكاك كتل واسعة من المجتمع التركي عن حزب الأخوان الحاكم في تركيا بسب حصيلة مغامرات أردوغان التي انعكست أضرارا كبيرة على الاقتصاد التركي الذي يختنق في حالة من الركود وفي ظل انعكاسات التورط التركي في الحرب على سوريا التي قطعت اوردة العلاقات التجارية وشلت حركة الترانزيت البري بينما غرف منها قادة الأخوان اموالا وافرة لجيوبهم من عائدات تجارة السلاح والتمويل السعودي القطري للحرب ومن تجارة نفط داعش وحاصل منهوباتها في سوريا والعراق.
وبالقدر نفسه كانت نتائج القطيعة والعداوة مع مصر بعد سقوط حكم الأخوان بينما تحول الدور التركي في ليبيا إلى مقاولة مستمرة لاستيراد الإرهابيين والأسلحة إلى سوريا والعراق .
ثانيا تزايدت الأخطار والمخاوف الأمنية في تركيا في السنوات الأخيرة بفعل الملاذات وممرات العبور ومعسكرات التدريب والتسهيلات ومنصات الدعم اللوجستي العسكري التي منحها اردوغان لفصائل القاعدة وجماعات المرتزقة التي تحارب الدولة الوطنية السورية ومع التورط التركي المباشر في العمليات العسكرية ومن خلال وحدات استخبارية تعمل في قيادة جحافل الإرهاب وإدارة غرف العمليات.
التوازن السياسي الجديد الذي تمخضت عنه الانتخابات ينتج تعقيدات وعقبات عديدة في وجه التوصل إلى تشكيل حكومة جديدة سواء من خلال ائتلاف يشارك فيه حزب العدالة والتنمية سيفرض عليه تنازلات مهمة في السياسة الخارجية ويغل يد اردوغان في حروبه المتنقلة ولاسيما ضد سوريا كما توحي تصريحات قادة المعارضة بعد الانتخابات والائتلاف الواسع سيكون حالة من المساكنة في بحر من التناقضات والاختلافات وقد يقود عاجلا إلى الانتخابات المبكرة وهو ما شهدته تركيا في تسعينيات القرن الماضي بينما تواجه احزاب المعارضة الفائزة في الانتخابات تحدي تكوين ائتلافها الخاص وتشكيل حكومة جديدة ويتردد بين الاحتمالات ان استعصاء ازمة تشكيل الحكومة سيقود إلى تشكيل حكومة انتقالية برئاسة شخصية محايدة تمهيدا للانتخابات المبكرة.
ثالثا الخلاصة التي تقود إليها التطورات السياسية في تركيا هي ان أفول الأردوغانية قد بدأ وربما يعبر عن ذلك ظهور الصراع الكامن داخل حزب الأخوان مع استحقاق المحاسبة على الفشل وحيث يتوقع ان يرشح أردوغان رفيقه احمد داود اوغلو ليكون الضحية الأولى بعدما ضحى برفاق آخرين كعبد الله غول وفتح الله غولين وغيرهم الكثير من رموز الحزب وكوادره .
ان النهج السوري العقلاني في مخاطبة الرأي العام التركي بروح الأخوة والجوار رغم العدوانية الأردوغانية وهو النهج نفسه الذي اتبعته سوريا في التعامل مع الأحزاب التركية المعارضة وقد ترك ذلك تأثيرا سياسيا مهما ينعكس في مواقف وخيارات هذه الأطراف اتجاه الحرب على سوريا مما يرشح هذا البعد ليكون محورا حاسما في نتائج التحولات المقبلة.
خلف ما يجري في تركيا يستحضر بعض المراقبين تصريحات اوباما والتقارير الأميركية عن دور تركيا في تسهيل تدفق الإرهابيين الأجانب إلى سوريا والعراق وتصاعد مطالبة سوريا وحلفائها روسيا والصين وإيران بتنفيذ القرارات الدولية المتصلة بتجفيف موارد الإرهاب ويطرح السؤال هل قررت واشنطن إغلاق الحدود التركية ووضعت خط النهاية لوظيفة أردوغان في العدوان على سوريا خشية تعاظم خطر خروج الإرهابيين عن السيطرة وارتداد الإرهاب إلى نحور مصدريه في الغرب ؟