حلم «السلطان» أردوغان يتبخّر عامر نعيم الياس
حلّ حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا في المركز الأول في الانتخابات البرلمانية التي أجريت أول من أمس، لكنّه لم يفز. فقد حصل الحزب وفق النتائج شبه النهائية على 257 مقعداً من أصل 550 يتشكل منها البرلمان التركي. وعليه، فهو حتى لم يحصل على غالبية النصف زائد واحد التي تخوّله تشكيل الحكومة بمفرده.
من 49 في المئة من أصوات الناخبين و327 مقعداً في انتخابات عام 2011، إلى 40.64 في المئة من أصوات الناخبين و257 مقعداً، وجّه الشعب التركي الصفعة إلى أردوغان شخصياً. فالانتخابات الحالية التي استنفرت مؤسسة الرئاسة وأدخلتها طرفاً في اللعبة البرلمانية، على عكس التقليد الديمقراطي السياسي، أدّت إلى نسب مشاركة في الانتخابات تجاوزت 80 في المئة. ومن نافل القول إن هذه المشاركة التي تعتبر الأعلى في تاريخ الدول الديمقراطية التي يقوم نظامها السياسي على صناديق الاقتراع، لم تكن بغرض انتخاب مجلس نواب فقط، إنما كانت بمثابة استفتاء على مشروع أردوغان وأوغلو تحت مسمى «تركيا الجديدة» التي بدا أنها صارت على السكة الصحيحة بعد النتائج الأخيرة. لكن على عكس ما يتمناه أردوغان.
الشعب التركي أوصل الرسالة وانتهت مهمته عند هذا الحد. أردوغان خسر وسيضطر وحزبه للمرّة الأولى منذ عام 2002 إلى تشكيل حكومة ائتلافية إما مع حزب «الشعب» الجمهوري أو «الحركة القومية» أو حزب «الشعوب الديمقراطية» الكردي، مع أن المؤشرات الأولية تستبعد قدرة «العدالة والتنمية» على التحالف مع «الشعب» الجمهوري أو حتى مع حزب «الشعوب الديمقراطية»، فيما تَرجح كفة التحالف مع «الحركة القومية» التي حصلت على 16.55 في المئة من الأصوات أي 82 مقعداً في البرلمان التركي.
هنا يخسر أردوغان حلمه في السلطنة والانتقال من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، لا عبر التصويت البرلماني ولا عبر الاستفتاء الشعبي.
من جهة أخرى، كشفت نتائج الانتخابات البرلمانية التركية حجم الافتراق الديمغرافي الجغرافي ضمن حدود تركيا. وهو أمر يعتبر من أهم ارتدادات سياسة أردوغان القائمة على الاستقطاب. هنا لا يمكن أن نغفل حجم المجازفة التي استطاع حزب «الشعوب الديمقراطية» وزعيمه صلاح الدين ديمرطاش تحقيقها. وفي ضوء النتائج بحسب المناطق، لم يخسر أردوغان وحزبه نسب التأييد المرتفعة له في المناطق الكردية في شرق البلاد وجنوب شرقها فقط، إنما خسر المدن الواقعة على ساحل البحر المتوسط لمصلحة «الحركة القومية» بشكل رئيسي.
من «الإرهاب» إلى «الدولة الخفية» و«تركيا الجديدة»، وحلم السلطنة، ودولة الاستبداد وقمع الحريات الصحافية ومحاكمة الجيش والشرطة، والتضييق على القضاء ونقل المدّعين العامين، من دون أن ننسى فضيحة الفساد التي تورّط فيها ابن أردوغان، بلال، في كانون الأول من عام 2013، إلى سورية الحاضرة في قلب الحملات الانتخابية سواء لجهة الدور القذر لحزب «العدالة والتنمية» في دعم الميليشيات الإرهابية في سورية، أو لجهة الوجود الضاغط للاجئين السوريين في تركيا الذي أعاد إحياء النزعة القومية داخل المجتمع التركي. كل هذه الأمور مجتمعة دفعت الأتراك إلى كسر شوكة «العدالة والتنمية» وتوجيه صفعة مؤثرة له على كافة المستويات، بدءاً من حلم النظام الرئاسي والسيطرة الكاملة على الدولة التركية، وليس انتهاءً بحلم الصلاة في دمشق التي يبدو أنها تبتعد يوماً بعد يوم عن مخيلة الإخواني القابع في قصر أمجاد السلطان المقبور.
(البناء)