عرسال والفتنة
ناصر قنديل
– ربما لا ينتبه بعض المتابعين من اللبنانيين والمهتمّين بالشأن اللبناني من خارج لبنان، أنه منذ نجاح المقاومة بتحرير جنوب لبنان في العام 2000 وثمة فريق لبناني يحمل راية التهديد بالفتنة مع كلّ تطوّر يمرّ به لبنان ويستدعي ابتزاز المقاومة بموقف، أو يمرّ لبنان بموقف يستدعي أن تكون المقاومة في موقع الفعل. وهذا الفريق الذي كان يقوده الرئيس فؤاد السنيورة في فترة وجود الرئيس رفيق الحريري قبل اغتياله قد تسنّى له السيطرة على تيار المستقبل وجمهوره بعد الاغتيال، وبقوة توظيف حادث الاغتيال والاستقواء به.
– بعد الاغتيال مباشرة نجح تيار المستقبل بالحصول على الغالبية النيابية والغالبية الحكومية بقوة البلطجة تهديداً بالفتنة، ونجح في الحصول على المحكمة الدولية بالقوة ذاتها، وبقوة التهديد بالفتنة صار سلاح المقاومة موضوعاً على طاولة الحوار الوطني بديلاً عن البحث عن استراتيجية حقيقية تحمي لبنان من العدوان يكون لهذا السلاح ولحامليه مكانة مشرّفة فيها وفي قلوب وعقول أبناء بلدهم الذي وهبوه دماءهم وريعان شبابهم.
– منذ بدء الأزمة في سورية ظهر أنّ تيار المستقبل لا يفعل ذلك من دون انتباه، أي لمجرد كونه يريد للبنان ما يسمّى بالمشاكل صفر مع الجوار، بمن في ذلك العدو المتربّص وراء الحدود، والذي احتلّ الأرض لعقدين متواصلين وارتكب أبشع الجرائم ولا يزال يهدّد بالعدوان، على رغم أنه لولا المقاومة لكان الاحتلال باقياً والعدوان متمادياً، لأنه لو كان الأمر مجرّد وهم مسالمة ورومانسية مستثمر ومتموّل يرغب بتفادي المشاكل ولو حالماً، لهان الأمر، وصار الحديث عن احتمالات الوقوع بالفتنة نوعاً من التوقع لمخاطر والتحذير من الوقوع فيها أكثر مما هو سلاح للابتزاز والمساومة.
– مع الأزمة السورية ومنذ البدايات، بدأ تيار المستقبل كما بدأ حلفاؤه وتشارك معهم بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، في حملة التصعيد ضدّ سورية، غير آبه ولا حلفاؤه المسالمون بآبهين بجلب مخاطر على لبنان من موقعهم المسالم الذي كان يستحضر عندما يتحدثون عن المقاومة واستجلابها للمخاطر «الإسرائيلية»، فيصير بنظرهم السعي لحماية لبنان من العدوان تحرّشاً واستفزازاً من جانب المقاومة وفقاً لخطابهم، بينما يصير تدخلهم السافر للعبث بأمن واستقرار سورية وفاء للحقيقة وبحثاً عن العدالة في قضية الرئيس رفيق الحريري بداية، ودعماً واجباً وتضامناً لا بدّ منه مع ثورة شعب مظلوم لاحقاً، وربما تصديراً لثورة الديمقراطية التي انطلق شعاع ربيعها العربي من شعلة الرابع عشر من آذار من ساحة الشهداء في بيروت إلى ساحة البوعزيزي في تونس كما انطلقت أليسار من صور إلى قرطاج.
– تسقط مسالمة تيار المستقبل ويصير ثورياً وقادراً على تحمّل تبعات التحرّشات ويرى لبنان الرسالة مطالباً بتحمّل هذه التبعات، فرسالة الديمقراطية والحرية تستحق، أما حماية لبنان من العدوان «الإسرائيلي» من جانب المقاومة ولو من دون إرسال البطانيات والحفاضات وبودرة الحليب إلى فلسطين لدعم شعبها وثوارها كما دعموا عبر عقابهم شعب سورية وثوارها، ولو اقتصر الأمر على الاستعداد بالحفاظ على سلاح الردع، فتصير تحرّشاً غير مقبول من جانب المقاومة بـ»إسرائيل»، وصار التحرّش يستحق التلويح بالفتنة في وجه المقاومة، وصار الأدهى، أنّ عدم مجاراة تيار المستقبل في عدائه لسورية يهدّد بجلب الفتنة.
– عندما صار ظهور متفرّعات «القاعدة» في سورية علنياً، وبدأ العالم كله يعترف بأنّ الإرهاب هو القوة الفعلية التي تقاتل ضدّ الدولة السورية تحت مسمّيات المعارضة السورية، لم يرتدّ تيار المستقبل، وبقي يثابر على دعم الثورة الافتراضية بـ»الحفاضات والبطانيات»، وصار قتال المقاومة للإرهاب مشروع فتنة، واستفزازاً وتحرّشاً، وصار هو المسؤول عن جلب الإرهاب إلى لبنان، ولذلك فهو يستحق عقاباً آخر، فمن جعل تنظيم «القاعدة» الوديع المسالم يستفيق على لبنان غير استفزاز حزب الله، ما يستدعي اعتذاراً من الثوار يقدّمه وزير العدل، حرصاً على ميزان العدل من الاهتزاز.
– عرسال خط أحمر شعار عمره ثلاث سنوات، منذ تحوّلت عرسال إلى عاصمة لـ«جبهة النصرة» وتنظيم «القاعدة» تحت أعلام وإعلام تيار المستقبل، والقصد من الخط الأحمر، «لا للجيش اللبناني في عرسال» وإلا أشهر تيار المستقبل سلاح الفتنة في بيروت وضدّ المقاومة، وكلما دق كوز «القاعدة» بجرة عرسال صرخ تيار المستقبل عرسال خط أحمر، وإلا الفتنة كي يتسنّى لـ«القاعدة» فعل ما تشاء، بينما يمسك المستقبل بيدي الجيش والمقاومة ويربطها بقيود الفتنة.
– الفتنة سياسة وخطاب وخطة، والوظيفة شلّ قدرات المقاومة والجيش اللبناني لإفساح المجال لـ«القاعدة» لأطول أمد ممكن كي تتمكن بعد أن تتمسكن، وكلّ ما دفعه لبنان ويدفعه من فواتير دم على يد «القاعدة» في رقبة قادة المستقبل.
(البناء)