التضامن مع خضر عدنان وقضية الأسرى- منير شفيق
دخل الشيخ المجاهد خضر عدنان قبل بضعة أيام شهره الثاني مضربا عن الطعام، مقتصرا على الماء، ورافضا أي دعم غذائي من أي نوع كان. وقد صمّم على المضي بإضرابه حتى الاستشهاد إن لم يفرج عنه فورا، وبلا قيود أو شروط تُفرَض عليه .
هذه ليست المرّة الأولى التي يلجأ فيها هذا المناضل المجاهد القائد الصلْب معركة الإمعاء الخاوية الأصعب بين المعارك، بعد التعذيب، في مواجهة الأجهزة الأمنية الصهيونية المجرمة، فقد سبق أن خاضها، بل كان في مقدمة هذا الشكل من النضال والمقاومة، واستطاع حينها أن ينتصر بعد إضراب دام 66 يوما، أجبر العدو على الخضوع لشروطه.
وكان قد فتح آفاقا أمام أسلوب المقاومة من خلال الإضراب في سجون سلطة أوسلو. وقد اعتقلته وهو طالب في جامعة بيرزيت.
عندما أُفْرِج عن خضر عدنان بعد إضرابه الطويل لم يلجأ إلى الوظيفة وهو خريج الجامعة، حامل شهادة في الرياضيات الاقتصادية، وذلك لعلمه أن الوظيفة في السلطة أُريدَ منها أن تكون الفخ الذي يروّض المناضلين المقاومين، ليصبحوا مثل الأسود والنمور المروّضة في السيرك، ولأن أسْر الوظيفة كما أثبتت التجربة الفلسطينية مَقْتلة نفسية تُحوّل الثائر الذي حمل روحه على كفه ردحا من الزمان في مقاومة العدو الصهيوني إلى خانع ينتظر الراتب آخر كل شهر. وقد غرق في الاستدانة وهو يَغرق في عالم الاستهلاك، (القروض البنكية التي روّج لها سلام فياض).
ولهذا عندما خرج القائد في حركة الجهاد خضر عدنان من السجن، آثر أن يحصل على قوت عائلته عبر العجين وبيع الخبز، والقبول بما يكفي لإمساك الرمق، ما دام الهدف الأعلى هو مقاومة الاحتلال، رفع راية القضية الفلسطينية عاليا من أجل تحرير فلسطين كل فلسطين من النهر إلى البحر ومن الناقورة إلى رفح.
هذا الهدف لا يستطيع أن يتحمله المقاوم بالسلاح أو المناضل المقاوم بالانتفاضة طويلا، إلاّ إذا تقشف وجعل مؤونته ومؤونة عائلته في الحدود الدنيا الممكنة.
أما إذا سمح لنفسه ولعائلته أن يدخلوا عالم الاستهلاك والرفاه، والبحث عن الدِّعة بعد المشقة في النضال، فإنه سيصبح مثل النمر أو الأسد الذي يقبل أن يروّض، ويُعْرَض أمام الناس في السيرك ذليلا، لكي ينال بعد العرض وجبة الطعام (الراتب آخر الشهر).
من هنا يكون خضر عدنان قد تحوّل إلى قدوة في النضال أيضا من خلال تفضيله العمل خبازا، والعيش بما يتيّسر، على بيع تضحيات الكفاح والسجن لوظيفة في السلطة أُريدَ منها، فيما أُريدَ منها، أن تروّض المناضلين وتدجنهم، وتجعل منهم معوِّقين للمقاومة والانتفاضة.
أما الأشدّ سوءا في حالة الضفة الغربية تحت الاحتلال واجتياح الاستيطان، فكُبراؤهم الذين يُغطون التنسيق الأمني والأجهزة الأمنية. وهؤلاء ليسوا مجرد عناصر سلبية ومعوّقة فحسب، وإنما تحوّلوا أيضا إلى حماة للاحتلال والاستيطان، بمطاردتهم مَنْ يتجرأ على المقاومة أو حتى يفكر فيها، وبقمعهم التظاهرات وإرهاصات الانتفاضة، ومحاصرة كل من يعارض الاحتلال حتى من خلال الشبكة العنكبوتية.
إن انتقال الأسير الفلسطيني من حالة الصمود في السجن والثبات على المبدأ، وضرب المثل في رفع راية المقاومة والتحرير، إلى حالة خوض المعارك من خلال الإضرابات طويلة الأمد، ولو عبر أفراد أو حتى فرد واحد، كما فعل خضر عدنان في إضرابه السابق، جعل من الأسرى قوّة محرّضة للانتفاضة، وفاضحة للاحتلال، وكاشفة لسياسات السلطة الفاشلة (وهو اقل ما يجب أن يُقال في وصفها).
في التجارب السابقة، كما عبر عن ذلك منظرون ثوريون عالميون، لم يكن معهودا هذا النمط من نضال السجناء والأسرى، وهو خوض معركة الأمعاء الخاوية حتى الموت، ولو على مستوى أسير واحد، أو عدّة أسرى.
فقد كان القانون الحاكم هو الإضراب محدود الأجل، أو الإضراب إلى أجل غير مسمّى، ليترك للسجناء وقفه حسب تطوّر الظروف، وعدم الوصول إلى لحظة تلبية المطالب أو الاستشهاد.
من هنا، يكون خضر عدنان، وعدد من الأسرى الأبطال، قد خطّوا من خلال ما يشنونه من نضالات أنماطا جديدة في النضال الثوري، حوّلوها إلى نهج جديد في المقاومة الفلسطينية. لكن دون أن يُفهم من ذلك أن هذا النهج يصلح لكل الحالات الثورية الأخرى في العالم.
فلنقل أنها خصوصية فلسطينية. بل هي خصوصية فلسطينية مناسبة في ميزان قوى جديد تشكل مؤخرا ضد العدو الصهيوني. فالعدو الصهيوني أصبح أشد ضعفا وعزلة دولية مما كان عليه في أيّ مرحلة سابقة. الأمر الذي فتح الآفاق لما حدث من تطوّر هائل في قوّة المقاومة في قطاع غزة، ما فتح أمام أي انتفاضة شاملة متواصلة لعدة أشهر آفاقا لدحر الاحتلال من الضفة الغربية، وتفكيك المستوطنات بلا قيد أو شرط، ولتحرير القدس وتحرير الأسرى.
هذه الأنماط الجديدة التي أخذ الأسرى يبدعونها في النضال في سجون الاحتلال الصهيوني في هذه المرحلة، أي الدخول في مواجهات ضد العدو الصهيوني من نمط إضرابات الإمعاء الخاوية وغيرها، راح يعطي للأسرى دورا إيجابيا فاعلا في المعركة ضد الاحتلال، بما يتجاوز الصمود والثبات على المبدأ، ورفع راية تحرير فلسطين، إلى لعب دور المُعَبِئ والمُحَرِض، وفتيل اشتعال لانتفاضة.
تحية للأسرى جميعا ولتضحياتهم وشجاعتهم، وتحية خاصة للشيخ خضر عدنان الذي يستحق كل تضامن معه لينتصر كما انتصر في المرّة السابقة.