قصة المحكمة الدولية والاعلام المرئي و”الجديد” عبد الهادي محفوظ
خيار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان حول اتهام قناة “الجديد” بتحقير المحكمة وتهديد حياة الشهود كان خيارًا خاطئًا. فلا المحكمة تمَّ تحقيرها ولا حياة الشهود تهددت. على العكس، ما قامت به قناة “الجديد” من تحقيقات مع الشهود أدّى إلى نتائج خدمت مصداقية المحكمة بحيث غابت من المشهد الإعلامي ظاهرة التسريبات ومعها التصريحات والشهادات الإعلامية لشهود الزور.
كان من حققت معهم قناة “الجديد” شهود حقيقيون. تكلموا بحرية مطلقة ومن دون أي ضغط أو إكراه. وأما ما لجأت إليه “الجديد” من استخدام لكاميرا خفية أحياناً، فكان الهدف منه إبراز ذلك كمستند في حال قيل بأن هؤلاء الشهود “مزعومون” أو أن القناة لجأت إلى فبركة الأمر.
لا شك أنّ قناة “الجديد” التزمت بالقواعد التي ينص عليها القانون المرئي والمسموع رقم 382/94 لجهة حق المواطن في الاطلاع والاستطلاع والوصول إلى المعلومة الحقيقية كما التزمت بالموضوعية وبمبدأ دقة المعلومة وصحتها. وهذا ما شكَّـل لها رصيدا ورأسمالا لدى محاكمتها في لاهاي خصوصا وأن قناة “الجديد” كانت حريصة على التزامها بضرورة أن تهتم المحكمة الدولية بالقضية الأساس، قضية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري ، وعلى أن لا تنصرف إلى “قضية فرعية” شاءت “الجديد” من خلالها التأكيد فيها على الحريات الإعلامية، وعلى أن رأسمال لبنان في المنطقة هو أن “إعلامه المرئي والمسموع” هو إعلام حر وهذا ما يميزه عن العالم العربي حيث الاعلام إجمالا هو إعلام السلطة والحاكم.
والسؤال هل تعاون الإعلام المرئي والمسموع مع المحكمة الدولية في طلباتها؟
يحسم المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع بأن القطاع المرئي والمسموع بكامله تعاون مع ما طلبته منه المحكمة الدولية. فرسالة أمين سر المحكمة إلى المجلس الوطني للاعلام عبر المدعي العام التمييزي يطلب فيها تسجيلات المؤسسات المرئية لواقعة اغتيال الحريري وما تلاها خلال يومين لبَّتها القنوات اللبنانية. وأكثر من ذلك عقدت المحكمة عبر ممثليها في لبنان جلسة استفسار مع أمين سجل قناة “أل.بي.سي“.
أيضا كل القنوات التزمت بمضمون الرسالتين الموجهتين من أمين سر المحكمة إلى المجلس الوطني للإعلام في مطلع العام 2014 خصوصا وأن المجلس كان قد اعترض لدى صديق المحكمة ستيفان بورجون على التبليغات السابقة إلى المؤسسات المرئية التي كانت تحصل من خارجه باعتباره هو المرجعية القانونية للمؤسسات المرئية. وكان المجلس قد أبلغ صديق المحكمة بأن أي مخالفة تقع بعد هذه التبليغات من تاريخ العام 2014 يأخذ بها ويقف إلى جانب المحكمة. لكن الذي جرى أن المحكمة اتخذت قرارا اتهاميا ضدّ قناة “الجديد” على أساس التحقيقات التي أجرتها القناة في العام 2012 ، بحيث “ألزمت” المجلس الوطني للاعلام أن يكون متضامنا مع “الجديد” باعتبار أن هذا القرار الإتهامي يشكل مساسا بالحريات الإعلامية وبالسيادة الوطنية.
والغريب في الأمر أن المدعي العام لدى المحكمة المدعي العام كينيث سكوت استند إلى جواب خطي لرئيس مجلس إدارة قناة “الجديد” تحسين خياط كان قد أعطاه على رسالة موجهة من المحكمة الدولية في العام 2014 ونسبها لرسالة في العام 2013 وهذا خطأ. كما أن المدعي العام خلط بين الاعلام المرئي والمكتوب متجاهلا أن هناك قانونا خاصا يرعى الإعلام المرئي عندما اعتبر أن الرسالة التي وجهها وزير الاعلام إلى نقيب الصحافة هي في الآن نفسه تعني الاعلام المرئي.
واضح أن المدعي العام لدى المحكمة لم يطلع على نص القانون المرئي والمسموع الذي كان وراءه الشهيد رفيق الحريري، ولا على دفاتر الشروط. وحاول أن يبني جواب المجلس الوطني للاعلام على رسالة كان قد وجهها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بتاريخ 8 آب من العام 2012 للمجلس الوطني للاعلام على معلومات استقاها المجلس من قناة “الجديد”، وهو تجاهل حيثيات مضمون اجتماع المجلس التي كانت في أساس جوابه لرئيس الحكومة.
أيا يكن الأمر، ثمة ملاحظات ايجابية تحكم دور رئيس جلسة محاكمة قناة “الجديد” وكرمى خياط القاضي نيكولا لتييري خلال شهادة المجلس الوطني للاعلام. وعلى رأس هذه الملاحظات حياديته. وأيضا عدم قبول أمين سر المحكمة بمحاولات الترهيب التي لجأ إليها المدعي العام عندما حاول خلال الجلسة انتزاع المستندات التي كانت في حوزة رئيس المجلس الوطني للاعلام.
“النشرة”