نهاية المعاذير: إسرائيل هرئيل
ليس لبنيامين نتنياهو الان وزراء كديين كيئير لبيد وتسيبي لفني. اذا خرج الان عن طوره وبات رئيس وزراء نشيطا، موضوعيا ومادحا، فان الحكومة كفيلة بان تدوم طويلا. فلا يمكن ان يعلق اخفاقات ادائه بعد اليوم، على عادته، بالاخرين. فقد تقلص مجال المعاذير.
شخصيته هي المصدر لمعظم اخفاقاته. نتنياهو يحسد نجاحات شركائه (رغم أنه كرئيس وزراء يمكنه أن يمدحهم إذ أن حتى انجازاتهم يمكن أن يعزوها له)؛ يحرق، بدلا من أن يبني الجسور؛ يثير الشقاق بدلا من التوسط، بين الخصوم؛ يصادم، من ان يقرب ويهدىء، بين الفئات السكانية في الدولة. ولولا هذه المزايا، لانهت الحكومة السابقة ايامها. فضلا عن ذلك: كان نتنياهو ليحقق الكثير من طموحاته ويحظى بما يتوق له كثيرا: اعتراف واسع ـ وليس فقط فئوي ـ كزعيم وطني ذي قامة تاريخية.
رغم هذه النواقص، فاذا ما نجح هذه المرة في أن يتغلب على نقاط ضعفه والاهتمام بغايته ـ الادارة الناجعة والمتابعة الدقيقة لعمل الوزراء ـ فان إسرائيل كفيلة بان تتمتع بحكومة تجسد برامج عملية، ولا سيما في مجالات المجتمع، الرفاه والاقتصاد، التي سارت احزاب الائتلاف فيها إلى الانتخابات. وباستثناء حاجز الـ 61، من الصعب أن نتذكر حكومات كانت لها شروط بدء احسن مما للحكومة الحالية. ورغم حجة «السيء فقط» عديمة التوازن، فان وضعنا الحقيقي، وفي معظم المجالات، ليس سيئا على الاطلاق، وبالتأكيد بالنسبة لما يجري الان في العالم، بما في ذلك العالم المتطور.
ليس بسبب الحملة «الضعيفة» فشل اسحق هرتسوغ في الانتخابات، بل بسبب مزاياه انتصر نتنياهو هذه المرة ايضا. فالتراجع عن الايديولوجيا الوطنية ـ الصهيونية في اوساط اولئك الذين اسموا أنفسهم «المعسكر الصهيوني» هو الذي تسبب هذه المرة ايضا، مثلما في المرات السابقة بالنتائج اللاذعة. وفي الفيلم عن سلوك هرتسوغ في الحملة ظهر كشخصية جديرة ومرغوب فيها للقيادة الوطنية. ليت نتنياهو يتمتع ببعض من المزايا الشخصية التي ظهرت في هرتسوغ، وسجل في طالحه في معسكره بالذات.
بسبب هذه المزايا، ورغم السياسة التي عرضها، وصل المعسكر الصهيوني إلى 24 مقعدا. وعلى افضل علمي، غير قليل من المقترعين التقليديين للمعسكر الوطني ممن ملوا شخصية نتنياهو الاستمتاعية، صوتوا لقائمة «أ.م.ت» (المعسكر الصهيوني).
فالطبع الإسرائيلي ـ الجماعي، رغم التغييرات الهامة التي طرأت عليه، لا يزال يقدر الاستقامة، التواضع، البساطة، القدوة الشخصية والرضى بالقليل.
لو كان لليكود زعيم ذو مزايا كتلك التي لهرتسوغ وموقف ايديولوجي ـ سياسي من بيت الليكود الكلاسيكي، لانهى المعسكر الصهيوني، مثلما في الانتخابات السابقة، بنحو 13 ـ 15 مقعدا.
لقد افترض الناخبون اليمينيون الذين انتخبوا هرتسوغ بانه حتى لو وصل إلى الحكم، فانه لن يقدم تنازلات اقليمية. ليس لانه لا يريد بل لانه لا يوجد لمن يقدمها له. فليس للسلام يتطلع الفلسطينيون، بل لاختفاء الدولة اليهودية. من الافضل لليسار المعتدل ـ والذي يعرفه ذلك عميقا في قلبه ـ ان يتوصل إلى هذا الاستنتاج وتكون لديه الشجاعة (في الماضي عندما خدع الفلسطينيون زعماءه، لم تكن لديه) للاعلان عن ذلك بصوت عال. والامر ايضا كفيل بان يلطف حدة موقف العالم من إسرائيل.
يدفع معسكر اليسار، وسيواصل دفع ثمن عدم قدرته على الاعتراف باخطائه السياسية ـ الامنية الجسيمة التي ارتكبها في عشرات السنوات السابقة. و إلى ان يندم ـ وهو لن يفعل ذلك ـ فانه لا يحدق خطر بحكم المعسكر الوطني. كما أنه عندما ستكون لهذا المعسكر قيادة مناسبة، تنفذ، بتصميم وبثبات، مذهبا سياسيا ـ وطنيا واضحا، فسيكون بوسعه ان يثبت حكمه ـ وباغلبية كبيرة ـ على مدى الايام والسنين.
هآرتس