حسن كامل الصبَّاح في ميزان الحقيقة سعيد الصبّاح
دفعني للكتابة ما أثاره د. أسعد أبو خليل من إشكالات حول سيرة وعطاء العالِم المخترع حسن كامل الصبَّاح في مقالته المنشورة في جريدة «الأخبار» بتاريخ 16/ 5/ 2015.
قبل الخوض في مناقشة بعض المسائل المثارة حول عطاءات الصبَّاح أود أن أُبدي الأسف لتطرق د. أبو خليل لسجال الذي حصل على صفحات «فايسبوك» إثر كتابته عن «الصبَّاح»، ولم أكن أنا البادئ أو من استخدم تعابير كنت أود أن تبقى محصورة ضمن صفحات «الفيس»؛
وحول ما نسبه لي، بأنني عيرته «على طريقة العنصريين في لبنان» باعتناق قضية الشعب الفلسطيني!
فأود القول، بأنني بقدر ما أُدين عنصرية «بعض اللبنانيين» تجاه الشعب الفلسطيني، فإنني أُدين عنصرية «بعض الفلسطينيين» تجاه لبنان وشعبه والتي «تماهى» الكاتب بها!
وحول سيرة وإنجازات «الصبَّاح» أود تبيان ما يلي:
1ــ حلم الصبَّاح العربي: وضع الصبَّاح نصب عينيه إنهاض وطنه لبنان وبلاد العرب وتقدمها وإحداث «ثورة تكنولوجية» في أرجائها؛ وتجلى في:
أ ــ دراسة الهندسة في باريس (Ecole Central) من أجل القيام بمشاريع هندسية في الوطن، وضمنها بناء سدّ على نهر الليطاني، كما أعلم خاله الشيخ أحمد رضا في رسالة بعث بها إليه في صيف 1921؛ حيث طالبه بالسعي لتأمين قرض له بقيمة 600 ليرة من أحد المتمولين – بكفالة – لأجل تأمين تكاليف دراسته في فرنسا، لكن هذا الطموح تبخر بعدما أهمل المفوض السامي الفرنسي طلب الصبَّاح. ب ــ بعد توجه الصبَّاح إلى أميركا والتحاقه بشركة «جنرال الكتريك» وإنجازه العديد من الاختراعات في حقول التيار الكهربائي والتلفزة والطاقة الشمسية، رغب في إفادة بلاد العرب منها، وقد بثّ هذه الأمنية إلى صديقه الشيخ خليل بزّي الذي قام بمفاتحة الأمير شكيب أرسلان بهذا الأمر؛ ولاحقاً خط الشيخ البزّي كتاباً إلى الأمير الأرسلاني والعاهل العراقي فيصل الأول – في عام 1932 – ضمّنها عرضاً مفصلاً للاختراعات التي يمكن إفادة بلاد العرب منها، وعبّر فيها عن رغبة الصبَّاح بالعودة إلى هذه البلاد. من المؤكد، أن الصبَّاح لم يراسل أي حاكم عربي أو يطلب منه أي مساعدة مالية.
طرح فرضية انتحار الصبّاح
حين تدهورت سيارته هو كلام متنافٍ مع الواقع تماماً
2 ــ حول حصول الصبَّاح على شهادة أو عدم حصوله عليها خلال دراسته في (MIT) وفي جامعة اللينوس: إن العديد من المراجع تشير إلى كون الصبَّاح قد درس في هاتين الجامعتين، لكن الخلاف ينحصر في ما إذا كان حصل على شهادة من الثانية؛ وهنا لا بد من التوقف أمام كلام الأستاذ في جامعة كونكتكت د. علي بزي، الذي جاء فيه: «بغضّ النظر عن الجدل الدائر حول ما إذا كان الصبَّاح قد حصل على شهادة أو لم يحصل، فهذا لا يقلل من شأنه، وتبقى اختراعاته شاهدة على قدرته الفكرية
والعلمية، ذلك أن الشهادة وحدها -رغم أهميتها – لا تصنع مخترعاً».
3ــ إنجازات الصبَّاح العلمية. أولاً، في العلوم النظرية البحث: «كان الصبَّاح من الأوائل الذين ادركوا انّ نظرية النسبية لآينشتاين وسبروا أغوارها وتناولوا بالشرح والنقد، وكما نقل الأستاذ إميل جبر ضوميط، فقد أضاف الى الأبعاد الأربعة – التي ترتكز إليها نظرية النسبية – بُعداً خامساً هو العقل؛ فيكون الصبَّاح بذلك قد استبق النظريات الحديثة التي تقضي بإضافة الوعي – وهو من مظاهر العقل – إلى ميكانيك الكمّ لتتسنى دراسة النظم البيولوجية… كما غاص الصبَّاح في أعماق الذرة، فكانت له رؤية تحليلية ثاقبة في استغلال الطاقة الكامنة في الذرة، وفي تحويل العناصر الكيماوية من عنصر إلى آخر» (1).
والخلاصة، ان عالمنا الكبير «كان ضليعاً في العلوم النظرية… كان متمكناً من الهندسة الكهربائية التطبيقية، أي حبي بالتفوق في الميدانين النظري والعملي، وهذا قلما يُتاح لباحث واحد» (2).
فالصبَّاح «تميز بأنه مُفَكِرٍ بارعٍ في الرياضيات والمسائل الهندسية في أميركا»، على حد قول المدير في شركة جنرال الكتريك ج. مِرسي في رسالة بعثها إلى أهل الصبَّاح في 14/ 6/ 1935.
كتب الصبَّاح بحثاً من 112 صفحة حول «تأثير الدارات الكهربائية على الأقواس المُنعكسة في مقومات القوس الزئبقي»، كي يُقرأ في المؤتمر الدولي للكهرباء الذي تقرر عقده في باريس في تموز 1932، وتمت دعوته إليه (3) لكنه اعتذر عن الحضور وقد تم إلقاؤه بالنيابة عنه.
ثانياً: في اختراعات الصبَّاح: أــ نظام الكتروني للتلفزة.
قامت شركة جنرال الكتريك بتسجيل 3 اختراعات أنجزها الصبَّاح – منفرداً – في حقل التلفزة وهي تحت عنوان: «إرسال الصور والمناظر» واختراع واحد – بالاشتراك مع زميله المهندس بول غراي – تحت اسم «جهاز التصوير الفوتوغرافي بواسطة الشعاع المهبطي». إن هذه الاختراعات اعتمدت نظاماً إلكترونياً صرفاً للتلفزة، في حين كانت الأفكار السائة تعتمد طرقاً ميكانيكية، أو ميكانيكية – إلكترونية مختلطة.
وقد حاول هذا النظام حل المشكلات الأساسية التي تعترض النظم السائدة… إلا أن الصعوبات التكنولوجية حالت، على ما يبدو دون اعتماد هذا النظام (4).
ب ــ في البطارية الشمسية: سُجّل باسم الصبّاح اختراع بعنوان «إرسال الصور والمناظر»، تحت الرقم 1747988، وهو يتعلق بالبث التلفزيوني، وقد اشتمل على «بطارية ثانوية» من مادة «سلفات الثاليوم» المُشِعّة التي تتأثر بأشعة الشمس، فتولد في البطارية شحنة كهربائية قوية؛ وقد «فكر في تطبيق اختراعه هذا في تسيير الطائرات وفي توليد الكهرباء في الصحارى العربية. كانت فكرته عظيمة وعملية (5).
ج ــ في تقويم التيار الكهربائي وعكسه: قام الصبَّاح بإنجازات رائعة وعلى جانب كبير من الأهمية العلمية في تطوير المقوّم ذي القوس الزئبقي وداراته، وفي تحسن أدائه، وفي استخدامه كمِعكاس يغير التيار المستمر إلى تيار متناوب للقدرات الكهربائية العالية. وقد نُشر له في المجلة العلمية لشركة جنرال الكتريك عام 1931 بحث مسهب في 3 حلقات حول تقويم التيار الكهربائي وعكسه. ولا يخفى ما لهذه العمليات من أهمية كبيرة في يومنا هذا.
دــ في تطبيقات التيراطون: توصل الصبَّاح إلى طريقة للاستغناء عن المُبَدَّل والمسافر في محركات التيار المستمر، باستخدام الصمّام الثلاثي الغازي [التيرطون] كمُقَوِّم يمكن التحكم فيه… فإذا استُعيض عن المُبَدّل والمسافر بأدوات كهربائية – كما فعل الصبَّاح – ينشأ محرك ذو مردود وعولية عاليين، يمكن تغيير سرعته بسهولة كبيرة في مدى واسع. جدير بالذكر، أن البطاريات التي تقوم بتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية قد أصبحت تعتمد على «أشباه النواقل» وكذلك حال «المقوِّم ذو القوس
الزئبقي» و«الصمّام الغازي الزئبقي» (6).
4 ــ الرتبة التي حصل عليها الصبَّاح من «جمعية المهندسين الكهربائيين الأميركيين» بتاريخ 25/ 1/ 1933 هي FELLOW وترجمتها إلى العربية «زميل».
5ــ نظرة معاصرة إلى مساهمات الصبَّاح: «ساهم الصبَّاح بأبحاث في ميادين عدة الكترونية، بل تعداها أحياناً عندما تطرق لأمور نقل الطاقة الشمسية وتحويلها وتحسين أداء الأجهزة المبينة عليها. إلا أن الثقل العلمي الذي أوجده الصبَّاح لم يكن ليوجد لولا مساهمته الضخمة في حقل إنتاج المركَّبات الإلكترونية وتطويرها هذه المركَّبات هي أساس جميع الأجهزة التي تم اختراعها لاحقاً. إنها إحدى الحلقات الأساسية في صنع الرادار والتلفزيون وأجهزة الإرسال والاستقبال»… والكلام للدكتور محمد دبس (7).
ــ حول كون الاختراع رقم 36 الذي يظهر في الجدول المرفق بكتابي عن الصبَّاح باسم الأخير، بينما اكتشف د. أبو خليل، أن «هذا الاختراع مسجل لشخص آخر باسم ميتاج»؛ أود الإيضاح أن الصبَّاح قد أنجز العديد من الاختراعات بالتشارك مع زملائه المهندسين ومنهم ميتاج، ويدون في أعلى الصفحة الأولى لبراءة الاختراع اسم أحد المخترعَين وفي أسفلها كلا الاسمين.
6ــ حول طلب تشكيل لجنة من علماء الهندسة الكهربائية للمجيء إلى أميركا لفتح كل الملفات المتعلقة بالصبَّاح ودراستها علمياً من أجل تقويمها؛ فأود القول، ان هذا الأمر قد حصل، وقامت به نخبة من علماء الفيزياء والهندسة الكهربائية، ونذكر منهم الأستاذ اميل جبر ضوميط، والدكاترة نصير سبح، ومحمد دبس، ومحمود نصر الدين ورفيق عيدو.
7ــ حول وجود اسم الصبّاح في مراجع أجنبية: إن اسم الصبَّاح وارد في العديد من المجلات والكتب الأجنبية المختصة بالهندسة الكهربائية، كمجلة شركة «جنرال الكتريك» التي نشرت للصبَّاح بحثاً – من 3 حلقات – عام 1931، وفي كتاب البرفسور أوستن ف. إيستمان (8).
8 ــ حول ما قيل عن إصابة الصبَّاح بـ«اكتئاب ذهاني»:
أــ أود أن ألفت إلى أن أعراض هذا المرض تتمثل في حصول جمود انفعالي يأخذ عدم التجاوب مع مثيرات الفرح والانفصال عن واقع الحياة وعدم القدرة على الإنتاج وفقد الحماسة على العطاء.
وهذه العوارض لم تكن متوافرة في سلوك الصبَّاح الذي كان يثابر على البحث العلمي والاختراع والكتابة في شتى حقول المعرفة.
ب ــ إن طرح فرضية انتحار الصبّاح حين تدهورت سيارته ما أدى إلى وضع نهاية لحياته هو كلام متنافٍ مع الواقع تماماً، نظراً إلى كونه كان قد اشترى طائرة وكان بزيارة تفقدية لها بعدما تعلم قيادة الطيران، وصمم على السفر إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج وإلى مسقط رأسه النبطية لرؤية الأهل وللزواج ممن أحب، فضلاً عن وجود رادع ديني لديه يمنعه من الانتحار.
وعلى قول الطيبب النفسي د. أحمد عياش: «ما نفع الحقيقة إن كان الصبّاح مكتئباً ذهانياً، خضع لجلسات كهربائية أم لم يخضع لها!…».
9ــ حول كوني قد كتبت «عن موضوع من خارج اختصاصي»: أود أن أُبين، أنني حين قمت بتأليف كتابي عن الصبّاح استعنت في كتابة الفصل العلمي بأساتذة كبار في علم الفيزياء والهندسة الكهربائية، كمثل الأستاذ اميل جبر ضوميط والدكتورين نصير سبح ومحمد الدبس.
أما قول د. أسعد أبو خليل، بأن كتابي يتضمن أخطاءً ومعلومات غير موثقة؛ فأود القول، بأن هذا الكلام يحتاج الى تقديم الدليل الملموس عليه، علماً بأنني قمت بإصدار طبعة ثانية من كتابي نتيجة لوجود معلومات موثقة جديدة حول اختراعات الصبَّاح.
* أمين سر لجنة حسن كامل الصبَّاح الوطنية
هوامش:
(1) من مداخلة للعميد د. نصير سبح، في «دار الندوة» في الذكرى الـ 55 للصبَّاح، ونُشرت في مجلة «المنابر»، العددان 50 و51، عام 1990.
(2) المصدر أعلاه.
(3) نبذة عن حياة الصبَّاح منشورة في مجلة المهندسين الأميركيين.
(4) لجنة الصبَّاح الوطنية… «حسن كامل الصبَّاح…». محمد دبس «حسن كامل
الصبَّاح: فارس في مغامرة الإلكترونيات» ص 165.
(5) المصدر أعلاه.
(6) مداخلة د. سبح المنوه عنها أعلاه.
(7) سعيد الصبَّاح: «حسن كامل الصبَّاح: عالم من لبنان» طبعة مُنقحة، دار آسيا – بيروت 1985، ص 179 (من النسخة الإلكترونية).
الأخبار