مقالات مختارة

إلى كلّ الإعلاميين العرب فعلاً بقلم :بنت الأرض

 

في زمن تتغير فيه التحالفات والولاءات والإصطفافات على الأرض بشكل متسارع ومفاجئ، تبدو التوصيفات والمصطلحات الإعلامية بطيئة جداً وأحياناً مغلوطة، أو أنها تخدم أهداف الخصوم بدلاً من أن تخدم الموقف السياسي أو الإعلامي السليم. علّ أحد الأسباب الأساسية لهذه المشكلة هي أن من يصمّم ويطلق المصطلح في المرة الأولى يطلقه لأسبابه الإستهدافية الخاصة، وللأسف فإنّ المتضررين من هذا المصطلح، بل وحتى ضحاياه، يرددونه وكأنهم غير قادرين على طرح البديل له في وسائل التداول الإعلامي. وحتى نكون واقعيين، فنحن نعلم أنّ من يطرح هذه المصطلحات ويستهدف هذه الأمة يستند إلى آلة إعلامية إقليمية ودولية ضخمة، أما المتضرّرون منها فليس لديهم ذلك الإسناد الإعلامي، وقد يكون هذا أحد الأسباب التي تقنعهم بعدم تحدّي هذه المصطلحات أو طرح البدائل عنها. ولكي أدلّل على ما أقول ليس عليّ سوى أن أذكر آخر أهمّ عنوان طُرح على الساحة العربية، وهو “التحالف العربي”، طبعاً بعد أن أمضينا سنوات، ولا زلنا، نستخدم مصطلح “الربيع العربي” الذي برهن دون أدنى شكّ أنه أخطر زمن على الأمة العربية مع أخطر المخططات التي رُسمت لها في تاريخها. أما “التحالف العربي”، فقد نشأ من قبل دول كان أول فعل لها هو قصف بلد عربي وقتل أطفاله ونسائه الأبرياء واستهداف بنيته التحتية وآثاره وكلّ شرايين الحياة فيه تحت مسمّيات مختلفة لا تمتّ للأهداف الحقيقية بصلة.

أولاً – إنّ هذا التحالف الذي يدمّر بشكل منهجي بلداً عربياً عريقاً هو أصل العرب والعروبة يفعل ذلك بأيد وتخطيط إسرائيلي وأمريكي، وقد يكون اختيار الأهداف أيضاً من مهمات الإسرائيليين إذ أن القصف يطال حتى أعرق الأماكن الأثرية والتي لا يوجد بها بشر على الإطلاق.

ثانياً – بعد اجتماع أمراء ومشايخ الخليج في كامب دايفد مع الرئيس أوباما، ذاك الاجتماع الذي أقلُّ ما يُقال فيه أنه كان مُذلّاً لكلّ من يحترم لغة الضاد والناطقين بها، بعد ذلك بدأت البرامج التلفزيونية ونشرات الأخبار حتى في القنوات الداعمة للحقّ العربي، تتحدّث عن “العرب وأمريكا” مختزلةً العرب بهؤلاء الذين لا عمل لهم سوى وضع مقدراتهم في خدمة الصهيونية والنيل من أمن العرب وتطوّرهم وكرامتهم. وهذه مسألة خطيرة جداً لأنها ترسّخ في أذهان الناس بالضبط ما أراده أعداؤنا، وهو أنّ هؤلاء هم العرب، هؤلاء الذين يمثّلون العرب برمالهم وتخلّفهم وعدمية انتمائهم والتشويه الذي ألحقوه بالإسلام والعروبة. ولهذا تلقوا النصائح من أوباما بأن يتحولوا إلى كتلة قوية ومتجانسة كي تكون هي “الممثّل الوحيد للعرب والعروبة”. هذه مطبّات لغوية سياسية إعلامية تطرح المصطلح كجزء من تغيير الواقع وتعمل على تثبيته في أذهان المتلقّين، وبعد زمن يصبح هذا المصطلح الحقيقة الوحيدة التي يعرفها الناس. وللعلم فإنّ مراكز الدراسات الغربية تؤمن أنّ الواقع ينتج تعابيره أحياناً ولكنهم يؤمنون وبقوّة أن المفاهيم تخلق واقعاً. وقد برهنوا على مرّ العقود الماضية أنهم قادرون أن يخلقوا واقعاً بعد أن صمّموا المفاهيم والمصطلحات وأعادوا خلق الواقع وفق هذه المصطلحات.

لهذا فإنّ أقلّ ما يمكن للإعلاميين العرب فعلاً أن يفعلوه هو أن يعيدوا التسميات وفق واقع ومصالح هذه الأمة، كأن يُقال “التحالف اللاعربي” وكأن يُقال “جماعة كامب دايفد” بدلاً من أن يُقال “العرب وأمريكا” أو أن يُقال “قبائل كامب دايفد وأمريكا” وأيضاً ألا يُشار إلى العرب في بلداننا العربية “كقبائل في ليبيا وحوثيين في اليمن”، بل أن يُشار إلى الشعب الليبي والشعب اليمني، أي ألا نعترف بذلك التشرذم الذي يهدفون إلى تثبيته في أذهاننا، وألا ننخرط بمقولة السعودية ضدّ إيران لأنّ حقيقة الأمر كما قال الرئيس علي عبد الله الصالح هي أنّ السعودية وحلفاؤها يستهدفون القومية العربية والعروبة. فاليقظة اليقظة أيها الإعلاميون العروبيون، أعيدوا خلق مصطلحاتكم بما يتناسب مع خصائص هويتنا العربية وطموحاتنا بإعادة الاعتبار للعرب والعروبة الحقّة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى