«إخوان مصر» على خطى «إخوان سورية»: عامر نعيم الياس
لم تتوقف مراكز البحث الأميركية عن دعم «الإخوان المسلمين» في مصر، عبر التركيز على الممارسات العنفية لنظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فيما تركت اسطوانة الانقلاب غير الشرعي على الرئيس «الإخواني» محمد مرسي للأتراك، عملية تبادل أدوار بين الولايات المتحدة وتركيا، لا تشير إلى خلاف بين الدولتين، بقدر ما تعكس استمراراً للضغط على الرئيس المصري بأدوات مختلفة، فالمطلوب هو دولة ضعيفة في مصر، لا تستطيع الخروج من أجواء وتداعيات الربيع الأميركي، فنجاح الثورة المصرية الثانية على حكم «الإخوان» واحتمال تدجين المسار السياسي المصري بسياسة تحافظ على مسافة من حلفاء واشنطن في المنطقة وحتى واشنطن نفسها، أمر لا يمكن الخوض فيه حالياً.
إنّ التعامل مع ظاهرة الإرهاب التي تضرب مصر، تفرض من وجهة نظر واشنطن إعادة إشراك «الإخوان» في الحكم على قاعدة إضعاف الجميع، بدءاً من السيسي مروراً بالجيش وحتى «الإخوان»، هؤلاء الذين يبدو أنهم يحاولون التمرّد على تعليمات الأميركي والاقتراب أكثر من أنقرة ورؤيتها للوضع في المنطقة، فالعنف كمنهج للجماعة وتحقيق أهدافها في الحكم والسيطرة والإلغاء بدأ يظهر على المشهد المصري كما جرى في سورية، ففي الانتخابات الأخيرة للجماعة التي جرت في شباط الماضي لوحظ إزاحة 65 في المئة من القيادات الهرمة لمصلحة شباب «الإخوان» الذين باتوا يتحكّمون بـ90 في المئة من مفاصل القيادة، وتمّ إنشاء مكتب للإخوان في الخارج مقرّه مدينة اسطنبول التركية سيتولى إدارة أمور الجماعة وفقاً للرؤى التي وضعها الجيل الجديد الذي يبدو أكثر مباشرة وتطرفاً وتأثراً بالخطاب الطائفي الذي يسيطر على المنطقة، ويتبنى نهج الجهاد الهجومي أسوةً بالجماعات السلفية الأخرى التي بدأت تسيطر على المشهد العام في المنطقة، خوفاً من فقدان الجماعة لقاعدتها الشعبية التي باتت مفتونةً بنموذج التنظيمات الإسلامية السلفية التي تقاتل في غير مكان على امتداد الوطن العربي، وفي هذا السياق قال مدير مركز «رصد» الناطق باسم «الإخوان»، عمرو فراج، والذي يقيم في اسطنبول منذ إسقاط مرسي في عام 2013، «هناك أمور لا يسمح بالتحدّث عنها على غرار الأفعال مجهولة المصدر مثل قطع الطرقات وهدم أبراج الكهرباء» وذلك في إشارة مباشرة إلى مسؤولية الجماعة عن أعمال التخريب في مصر. ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ، فعشية إعلان حكم الإعدام على مرسي دعا الإخوان في تصريح لهم «الثورة إلى قطع الرؤوس عن الأجساد المتعفنة وإبادة الظالمين كافةً».
الجيل الشاب يدفع الإخوان نحو العنف العلني في محاولة للترويج لطريقة الإدارة الجديدة لحكم الجماعة، بعيداً عن الجيل القديم الذي يعتمد التقية في إدارته لأمور الجماعة التي لم تخرج يوماً عن تسخير منهج القتل في خدمة أجندتها، ويبدو أنّ هذا الأمر لا يروق للأميركيين، فمعهد واشنطن المحسوب على المحافظين الجدد والأكثر قرباً من الإخوان في مصر وحتى تركيا أعاد نشر مقال للباحث إريك تراجر كان قد نشر في مجلة «فورين أفيرز»، انتقد ما أسماه اتّباع الجيل الجديد الشاب للإخوان والمقيم في اسطنبول «تكتيكات ثورية وعنيفة لزعزعة الحكومة المصرية عاجلاً وليس آجلاً»، فالرئيس أوباما لا يزال ينوّه «بالالتزام الشفهي» للإخوان باللاعنف. ويرى المقال أنّ «تبني الإخوان المسلمين الصريح للعنف ودخولهم في شراكة مع حركات متطرفة سيبعد الجمهور المصري عنهم ويعزز الدعم الشعبي للسيسي».
لا تريد واشنطن من الإخوان التخلي عن أعمال العنف والتخريب، فهم أداة شأنهم شأن غيرهم من التنظيمات الإسلامية المتطرفة، لهم دورهم في زعزعة الاستقرار والاستنزاف وإنْ اختلفت درجاته، لكن يجب ضبط القيادات الشابة للجماعة في مصر وفق منهج عمل الجيل القديم الذي يعتمد الازدواجية نهجاً في إدارة الصراع على السلطة، بما يحافظ على ورقة الإخوان في المنطقة وفقاً لخصوصية كلّ دولة من الدول، لكن التطرف وخطاب الفرز الطائفي بات أقوى من الجميع، والإخوان الذين خرجت كلّ التنظيمات الإرهابية التكفيرية من عباءتهم ليسوا بمنأى عن خطاب العنف، فكيف إنْ كان هم من صنعوه وبلوروه، ولنا في التجربة السورية منذ الثمانينيات مثال على ذلك.
(البناء)