حزب الله يخضع المستقبل لاختبار «كشف الكذب»: ابراهيم ناصرالدين
لماذا هذا التصعيد المتزامن في السياسة والامن من قبل حزب الله والتيار الوطني الحر؟ سؤال يبرز في الآونة الراهنة في ظل تنفيذ مجاهدي المقاومة لقرار قيادة الحزب بحسم معركة جرود القلمون، والتنسيق الواضح مع «الجنرال» لدفع مجلس الوزراء الى اتخاذ قرار سياسي حاسم بتغطية تحرك الجيش لوضع حد نهائي للوضع الشاذ في عرسال ومحيطها، والضغط ايضا في ملف التعيينات الامنية والانتخابات الرئاسية.
المقاربة خاطئة برأي اوساط بارزة في 8 آذار، لان الحديث عن تزامن في التصعيد يوحي بأن ثمة «ساعة صفر» محددة انطلقت معها خطة متدحرجة هدفها احداث تغييرات داخلية مواكبة لتطورات خارجية، وهذا الامر ليس دقيقا، وانما تزامن استحقاقين غير قابلين للتأجيل، الخطر التكفيري وذوبان الثلوج، واستحقاق التعيينات الداهم، دفعا الحليفين الى تنسيق الخطوات وضبطها دون ان يكون السيناريو النهائي قد رسم لجهة التعامل مع الملفات الداخلية، القرار سيتخذ خلال الساعات المقبلة، على عكس القرار بالمضي حتى النهاية في انهاء ملف المجموعات الارهابية على الحدود وفي داخلها.
وبحسب تلك الاوساط، يسعى حزب الله في تحركه الى انهاء «كذبة» «التيار الازرق» الذي يتهم الحزب بربط لبنان بنزاعات المنطقة، وهو يضع الرئيس سعد الحريري امام اختبار «آلة» كشف الكذب في مجلس الوزراء المطالب باتخاذ قرار وطني بالتصدي للارهاب، واخراج لبنان من «ساحة التجاذبات» السياسية والامنية المفتوحة في المنطقة، لكن ما كان متوقعا حصل واخرج رئيس الحكومة الاسبق كل «شرور» المذهبية من «قمقمها» للتصدي لهذا المشروع الوطني في محاولة لابقاء لبنان في «ثلاجة» الانتظار في سياق الاستمرار بالرهان على تطورات دراماتيكية في سوريا تحسن موقعه التفاوضي في الداخل مع اقتناعه بانتصار المجموعات المسلحة على النظام قريبا!؟.
لكن «اليوم التالي» لن يأتي سريعاً، هذا ما يدركه حزب الله ويتنكر له «المستقبل» فالعنف مرشح الى مزيد من التصعيد، وكلما فتحت القنوات السياسية بين الدول المؤثرة للحديث عن التسويات تزداد المنطقة اشتعالا لتحسين «ادوات التفاوض»، وما يظن الحريري انه نقطة تحول في الصراع السوري ليس سوى اوهام، فلا يوجد خوف جدي من سقوط مفاجئ للنظام، فتقدم فصائل المعارضة في الشمال لن يغير من الوقائع الكثير، وهو تقدم مرحلي في مناطق بعيدة من مواقع الحسم، وزخم التقدم الذي يحرزه هؤلاء لن يتجاوز حدود «الخطوط الحمراء» المرسومة، ولا يتوهم احد ان طهران وموسكو ستسمحان بسقوط حليفهما في المنطقة، وثمة تطورات خلال الايام والاسابيع المقبلة ستؤكدان رجحان هذه النظرية، فالامتار القليلة المتبقية عن حسم الملف النووي الايراني اقتربت وعندها ستتحرر مختلف القوى من التزاماتها سلبا او ايجابا، ولمن خانته الذاكرة فان قوات المعارضة «المعتدلة» كانت في نهاية صيف 2012 على بوابات دمشق، ومنع عنها الحلفاء حينها الدعم الذي يمكّنها من الإطاحة بالنظام، ما ادى الى تهميش دورها والتحاق عناصرها بالتنظيمات «التكفيرية»، كما تراجعت واشنطن عن تهديداتها بشن حرب ضد النظام، وهذا كان «رسالة» بالغة الدلالة على استراتيجية واشنطن المبنية على اطالة امد الصراع.
المشكلة الكامنة عند الحريري بحسب الاوساط، انه يستمع الى اعلامه ويصدق ما يقوله ثم يبني استنتاجاته ويحولها الى مواقف، وينسى لوهلة ان كل ما يقال اكاذيب واخبار ملفقة لا تمت الى الحقيقة بصلة، وفي هذا السياق ما يزال يعتقد ان النظام السوري اقترب من السقوط وهو كالعادة منذ نحو خمس سنوات يواصل هواية «العد التنازلي»، وما لم يطلعه عليه رعاته الاقليميين ان مصير الاسد لم يعد مطروحا على «الطاولة»، ومحادثات سوتشي الاخيرة بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الاميركي جون كيري حسمت هذه النقطة، والبحث انتقل الى مراحل متقدمة لتسوية لن يكون فيها مكان للمتطرفين في سوريا، والبحث جار عن القوى التي يمكن ان تجلس في مقابل الدولة السورية المتمثلة بنظام على رأسه الرئيس بشار الاسد.
ولذلك فان الاستثمار «بجبهة النصرة» هو استثمار مؤقت ولا يمكن البناء عليه طويلا، والازمة الحقيقية تكمن في انعدام القدرة لدى تيار المستقبل على فهم حقيقة استراتيجية الدول الراعية التي توظف هذا التنظيم الارهابي مرحليا ووظيفيا لتحقيق مكاسب سياسية على «طاولة المفاوضات»، وليس هو «جيش السنة» المفترض ان يكون الطرف المقابل «للمد الايراني» في المنطقة، كما يتوهم الحريري، وحدهم «الاخوان المسلمون» يطمحون لتعزيز دور هؤلاء كي تدفع الدول الاقليمية ثمن «اجهاض» تجربة «الربيع العربي»، ولكن طموحاتهم ستقف عند مصالح الدول المتداخلة والمترابطة والتي ستصل يوما الى نقطة التقاء، وحتى تركيا الطرف الاكثر تأثيرا في منح «داعش» «والنصرة» قوة الدفع اللازمة لتحقيق «النجاحات» في سوريا والعراق، لن يكون بمقدورها الاستثمار الاستراتيجي على تلك الجماعات، لكنها اليوم تعمل على توظيفها والاستفادة منها بهدف تحقيق مصالحها في «لعبة» اعادة توزيع مراكز القوى في الاقليم.
اما الاستثمار والرهان على تقسيم المنطقة الى دويلات واعادة نفض الغبار عن اتفاق «دايتون» الذي ابتكرته ادارة الرئيس الاميركي الاسبق بيل كلينتون وادى الى تقسيم البلقان الى كيانات مستقلة في قلب اوروبا، فتقول تلك الاوساط انه من الصعب استنساخ هذا المشروع رغم المصلحة الاسرائيلية في تحويل الدول المركزية المحيطة بها الى دويلات صغيرة وضعيفة، فخوف «المستقبل» من دولة علوية على حدود لبنان غير مبرر، فالمعضلة الرئيسية لا تكمن فقط في التداخل السكاني غير القابل للفرز الطائفي والاثني، وانما في خطر تمدد هذا «السم» القاتل الى الدول المتورطة فيه، فهل يمكن تقسيم العراق وسوريا مثلا دون ان يهتز البناء الجغرافي لتركيا والسعودية؟ فهاتين الدولتين لديهما نفس المكونات العرقية والدينية، واي مشروع انفصالي سيتمدد ولن يكون بمقدور احد ان يوقفه، ويصبح السؤال هل بمقدور أنقرة تجنب تأثير التفكك في سوريا ومنع «مرض» الطائفية والإثنية من التسلل الى اراضيها؟ وكيف ستمنع نحو 20 مليون علوي ومئات الاف الأكراد الذين يخوضون كفاحاً مريراً من أجل الاعتراف بخصوصيتهم وحقوقهم القومية من الاستقلال اذا ما نجح اقرانهم في سوريا والعراق في ذلك؟ وكيف ستقنع السعودية شيعة المنطقة الشرقية بعدم المطالبة بالانفصال اذا ما ولدت «دولة شيعية» في العراق؟ لا حل امام هاتين الدولتين عندها الا بالقبول بالتفكك، او الدخول بحروب اهلية لا تنتهي؟ فهل فعلا تريد الانتحار؟
طبيعي ان تكون الاجابة بالنفي، وهذا يعني ان الحرب طويلة، لكن ما هو غير «طبيعي» ان يأخذ «التيار الازرق» عن سابق تصور وتصميم اللبنانيين جميعا نحو الانتحار، فحزب الله يضعه اليوم امام فحص «دم» في الوطنية، فالحسم ضد النظام في سوريا دونه عقبات كبيرة تؤكد الاوساط، ترسمه مصالح دولية واقليمية، ومعركة جرود القلمون لها في هذا السياق انعكاسات ايجابية تخرج لبنان في دائرة الارتهان للتطورات والاحداث الامنية والسياسية في المنطقة، ولا ترتبط ابدا بتحديد مصير النظام، وتيار المستقبل امام فرصة تاريخية لاعطاء المواجهة بعدا وطنيا بعيدا عن الاستثمار المذهبي الذي لن يغير من الوقائع شيئا، حزب الله يمنح الجميع مهلة للاستفادة من الفرصة السانحة، واذا كان حلفاء واشنطن الاقليميين في سباق مع الوقت للالتفاف على تسوية مفترضة بين الروس والاميركيين تنطلق من قاعدة عدم وجود بديل سياسي جاهز في سوريا يمكن ان يحل مكان النظام والدولة، فان الحريري في سباق مع الوقت وهو امام خيارين اما تعزيز الاستقرار الداخلي باعطاء المسيحيين حقوقهم المسلوبة انطلاقا من التعيينات الامنية، واعطاء الجيش التغطية اللازمة لطرد «التكفيريين» من الاراضي اللبنانية، او الاستمرار في «العناد» وتحميل السنة عبء هزيمة جديدة «لا ناقة لهم فيها ولا جمل».
(الديار)