السير نحو الهاوية رجب طيب أردوغان نموذجاً د. فيصل المقداد
نائب وزير الخارجية السورية
لم يعد رجب طيب أردوغان، رئيس النظام التركي، شخصية تحظى بأي احترام إقليمي أو دولي. كما أن احترام الشعب التركي لقيادته تتلاشى في كل يوم. إن من يتابع الهيستيريا التي تميّز تواصل أردوغان مع الناخبين الأتراك في هذه الأيام، يكتشف أن الرجل قد فقد صوابه وتوازنه في معالجة التحديات التي تواجهها تركيا على مختلف الأصعدة وفي كل المجالات. إن أولى صفات القائد الحقيقي هي الحكمة في التعامل مع الأحداث والتطورات، سواءً كان ذلك داخل الدولة أو في علاقاتها مع دول العالم، من جهة، والصراحة مع الشعب، والمصداقية في إيجاد حلول لمشاكله الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، من جهة أخرى.
على المستويين الدولي والإقليمي وعلى المستوى الوطني، لم يعد هنالك أي أثر للسياسات والمواقف التي أطلقها رجب طيب أردوغان في خطبه داخل وخارج تركيا. فصديق تركيا بالأمس أصبح عدواً بالنسبة لأردوغان وخادمه أحمد داود أوغلو. إن السياسات التي بشرا بها في مطلع تسلمهما للسلطة والتي تعتمد على مبدأ صفر عداوة مع دول الجوار، أصبحت الآن سياسة صفر أصدقاء، بدءاً من سورية، والعراق، وأرمينيا، وبلغاريا، واليونان، ودولاً أخرى قريبة، من المجال الحيوي لتركيا، بما في ذلك مع مصر وليبيا وتونس والكثير من الدول الأوروبية والإسلامية. لقد أصبح الكثير من متابعي السياسة الخارجية التركية يتندرون ضاحكين عندما يطرح أي كان هذه العلاقات التي أقامها النظام التركي مع دول وحكومات في المنطقة وخارجها. ولا بد لنا هنا أن نؤكد أن واحدة من الفضائح التي تطاول سلوك نظام رجب طيب أردوغان، وحكومته، ومسؤولي حزبه المسمى «العدالة والتنمية» هي الكذب، والتضليل، واستخدام أدوات السلطة، التي يدعي النظام التركي استقلاليتها، لتنفيذ السياسات المشينة. والأكثر من ذلك هو قيام أجهزة القمع التابعة لأردوغان وحزب العدالة والتنمية بتسريح أو اعتقال، أو محاكمة كل من يختلف معهم سواءً كان ذلك إزاء ملفات داخلية، أو ملفات خارجية. أما شراهة أردوغان وزبانيته للسلطة، والتحكم بالبلاد والعباد، فلا حدود لها. ويتضح ذلك من خلال سياسات شراء الضمائر، ومعاداة من كان حليفاً، وصديقاً له في صنع القرار السياسي الداخلي في تركيا، كما هي الحال مع فتح الله غولين وغيره، وعدم تردده في نعت المعارضة التركية بأبشع الألقاب، وأقذر الكلمات، بل وتخوينها في الكثير من الأحيان إذا تعارضت وجهات نظرها مع أردوغان الذي فضح هو نفسه ولاءه الطائفي المذهبي، ونفاقه المكشوف في شكل خاص عندما يتحدث عن الديمقراطية، وحقوق الإنسان، الأمر الذي لا نحتاج إلى بذل الجهد الكثير للكشف عن ابتعاده عن الحقيقة بل والتناقض معها. فهو يدعي من جهة أنه يقف مع السوريين من أجل الإصلاح والديمقراطية، بينما نعرف جميعاً أنه كان دائماً يطالب القيادة في سورية بمنح الإخوان المسلمين الإرهابيين دوراً يتعارض مع إرادة الشعب السوري الذي يؤمن بالمساواة بين كل أطياف الشعب السوري ومكوناته ناهيك عن انكشاف نواياه الحقيقية عندما دعم من الأيام الأولى للأحداث في سورية الإرهابيين والمرتزقة والقتلة، واستضاف زعماء هؤلاء الإرهابيين في اسطنبول وأنقرة وغازي عنتاب وغيرها من المدن التركية.
وقد انفضحت سياسات أردوغان الطائفية في أبشع صورها خلال تدخله السافر في الشؤون الداخلية لجمهورية مصر العربية، وانحيازه إلى القتلة من الإخوان المسلمين الذين ثار الشعب المصري وبدعم كل السوريين ضد تسلطهم وتآمرهم، وانحطاط سياساتهم، وسعيهم إلى حرف عجلة تقدم التاريخ ووقوفهم ضد الحضارة والتقدم. أما السؤال الذي يطرحه كل من يتابع السياسات التركية، فإنه يدور حول ذلك التقارب المفاجئ بين النظامين التركي والسعودي اللذين كانت حالة العداء والتشكيك تحكم علاقتهما منذ اغتصاب آل سعود للسلطة في نجد والحجاز في الثلاثينات من القرن الماضي حتى شهور قليلة مضت. فالتناقضات الإيديولوجية والطائفية والمذهبية والسياسية بين النظامين لا حلول لها إلا بتغييرهما. إلا أن ما أصبح واضحاً فهو اتفاقهما على دعم الإرهاب سواءً كان ذلك يتمثل بتنظيم «داعش» أو «جبهة النصرة» أو «القاعدة» وكافة القتلة من تنظيمات المرتزقة التي يدعمها النظامان في سورية والعراق وليبيا واليمن والصومال ودولاً أخرى لا داعي لذكرها في هذه العجالة.
أما جريمة أردوغان الكبرى، إذ أصبح أردوغان أقرب إلى ديكتاتور منه إلى رئيس منتخب، فهي الدعم المكشوف الذي يعرفه العالم والذي يعترف به النظام التركي على رؤوس الأشهاد لـ«داعش» و«جبهة النصرة» التي تحاول الأنظمة الحاكمة في تركيا والسعودية وقطر والأردن تعويمها كي تصبح معارضة مسلحة معتدلة على حد زعمهم، وذلك بالتعاون مع دول مثل فرنسا وبريطانيا. أما الدعم المكشوف الذي رآه كل صاحب بصيرة طيلة الأزمة السورية من قبل تركيا لهؤلاء الإرهابيين والقتلة، فقد تجلى على حقيقته في دعم الإرهابيين نارياً عند اغتيال «جبهة النصرة» لمدينة إدلب وجسر الشغور، والمحاولات المستمرة للنيل من وحدة شعب سورية والاعتداء على سيادتها واستقلالها. إن سياسات العثمانيين الجدد الذين يمثلهم أردوغان وأحمد داود أوغلو أصبحت مكشوفة للجميع، ونثق أن المجتمع الدولي بعيداً عن الحكومات المتآمرة على سورية، سيقف ضدهما آجلاً أم عاجلاً مهما كان حجم المصالح الاقتصادية والجيوبولتيكية، لأن الإرهاب في نهاية المطاف يهدد البشرية جمعاء. لقد مارست بعض الدول ضغطاً على الحكومة التركية للانضمام إلى ما أسموه «التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب» إلا أننا كنا على ثقة أن تركيا لن تنضم ولو شكلياً إلى مثل هذا التحالف لأنها من الأطراف التي أنشأت «داعش» وخططت له عملياته وتقدم له كل أسباب الحياة والاستمرار. إن «داعش هو ولد مسخ لتركيا والولايات المتحدة الأميركية مهما حاول البعض إخفاء هذه الحقائق. وإلا ما معنى عدم اتخاذ «داعش» أي إجراء ضد الدبلوماسيين الأتراك في الموصل وعدم قيامه بالاقتراب من ضريح سليمان شاه في سورية وحاميته التركية؟!
لقد أصبحت سياسات النظام القائم في تركيا مكشوفة أمام العالم، فالانتقادات لهذه السياسات تتصاعد حتى داخل دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على رغم كون تركيا عضواً في حلف شمال الأطلسي «الناتو»، أما تصريحات أردوغان وأدوات حكمه فهي لا تثير في كل من يتابعها سوى القرف والاشمئزاز، خصوصاً أن النظام التركي يعبر في كل تحركاته عن توجهات جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية ولا يعبر بطبيعة الحال عن الدولة أو الشعب التركي ومصالحه. لقد بلورت تصريحات ومواقف النظام التركي الحاقدة على سورية وعلى مصر، من بين دول أخرى، حجم الصدمة التي تلقاها جزار تركيا الجديد من جراء انهيار حلمه في إقامة الخلافة الذي سقط إلى غير رجعة من خلال صمود سورية ورفض الشعب العربي في مصر الانصياع لحكم الإخوان. ونحن نؤكد أن الهاوية التي يقترب منها نظام أردوغان خصوصاً بسبب تنكره للقضاء التركي وتدخله السافر في شؤونه وتعقب القضاء التركي والشرفاء في أجهزة الأمن التركية بسبب دفاعهم عن القانون ومحاولة منعهم لشحنات الأسلحة القاتلة التي أرسلها نظام رجب طيب أردوغان للإرهابيين المرتزقة في سورية وقيامهم بفضح التعاون الكبير القائم بين نظام حزب العدالة والتنمية و«جبهة النصرة» و«داعش». فبدلاً من توجيه أردوغان وداود أوغلو اهتمامهما للأوضاع الداخلية المتدهورة في تركيا في ظل تراجع قيمة العملة التركية والتصنيف الائتماني السلبي للاقتصاد التركي، فضلاً عن الانتهاكات السافرة لحقوق الإنسان والعزلة الإقليمية المفروضة على تركيا في ظل سياساتها العدائية تجاه جميع جيرانها وتمويلها ومساعدتها للجماعات الإرهابية في دول المنطقة فإن أردوغان يصر على الإمعان في التدخل بشكل هيستيري في شؤون الآخرين.
إن ما يثبت تورط النظام الدموي التركي وحكومته في دعم الإرهاب هو ذلك التصريح الذي أدلى به أردوغان لصحيفة «حرييت» التركية بعد عودته من زيارة إلى ألمانيا وبلجيكا الذي تحدث فيه حول دعم حكومته التنظيمات الإرهابية في سورية بالتعاون مع السعودية وقطر، مؤكداً أنه: «لولا هذا الدعم لما كانوا حققوا مكتسبات» في محافظة إدلب. لقد أعلن القاضي عزيز تاكتشي، وهو أحد أربع قضاة اعتقلوا قبل حوالى أسبوع أنهم طردوا من سلك القضاء بسبب تحقيقاتهم في قضايا فساد تورط فيها بعض وزراء أردوغان. وقد علق خبير دستوري تركي كبير هو أرغون أوزبودون على الأمر قائلاً: «إنها نهاية القانون». وقال وزير سابق للعدل: «إنها ضربة ثقيلة جداً لمبدأ استقلالية القضاء ودولة القانون». أما «جريمة» عزيز تاكتشي الذي تم اعتقاله، فكانت التهمة الموجهة له هي أنه أفشى أسرار الدولة، وهو الذي كشف عن إرسال شاحنات إلى سورية محملة بالأسلحة، بإشراف الاستخبارات التركية وبطريقة غير شرعية». أما «الديمقراطي» الكبير جداً، أحمد داود أوغلو، فقد اتهم زعيم حزب الشعب المعارض كمال كيلجدار أوغلو قائلاً: «لو كان لديه ضمير لما أرسل وفداً لمقابلة القيادة السورية». هل هكذا يحكم الزعماء «الديمقراطيون» بلدانهم؟ والأدهى من ذلك أن كل المعلومات التي تصل من مصادر موثوقة في تركيا تشير إلى إرسال الحكومة التركية واستخباراتها أكثر من ألف شاحنة تركية محملة بالأسلحة وأدوات القتل والإبادة البشرية التركية إلى أدواتهم من الإرهابيين والقتلة والمرتزقة في سورية. ومما يؤكد ذلك هو تصريحات وزير خارجية النظام التركي حول تدريب تركيا للإرهابيين على الأرض التركية واستعداد تركيا وحلفائها من داعمي الإرهابيين لتقديم تغطية جوية لحماية هؤلاء الإرهابيين وإنشاء مناطق عازلة ومناطق حظر طيران على الأرض السورية لحماية الإرهابيين وفرض تقسيم سورية.
الشعب التركي سيوجه رسالته التي نعتقد أنها ستكون مدوية إلى أردوغان خلال أسبوع من الآن، وما نحن على ثقة منه هو أن أردوغان ونظامه لن يعودا بعد هذه الانتخابات كما كانوا قبلها. وفي انتظار نتائج قرار الشعب التركي فإننا نؤكد أن مهزلة التدخل التركي لتدمير سورية لن تمر على شعبنا، وستحاسب الشعوب العربية الأنظمة العربية التي تتحالف مع تركيا والإرهابيين لتفتيت سورية والنيل من وحدة أرضها وشعبها وأن فرض مناطق عازلة وحظر طيران لن يكتب لها إلا الفشل والهزيمة على يد الشعب السوري وقواته المسلحة. ونؤكد أنه إذا أرادت تركيا استعادة علاقاتها مع جيرانها وأن تتصالح مع نفسها فإنه على مسؤوليها أن يبدأوا بالتركيز على الوضع الداخلي فيها وأن تتصالح مع معارضيها أولاً بدلاً من توجيه النصائح الفارغة للدول الأخرى، إضافةً إلى ضرورة أن تبدأ بالتصالح مع تاريخها والاعتراف بالجرائم التي ارتكبتها بحق الشعب العربي وبحق الشعب الأرمني الشقيق إذا كانت الحكومة التركية جادة في ما تدعيه من مبادئ وقيم وأن يكف مسؤولوها عن ممارسة الدجل والتضليل على شعبهم وجيرانهم والمجتمع الدولي إذا ما أرادوا التغلب على ما بداخلهم من أدران وحقد وكراهية.
(البناء)