السيناتور ماكين واحتمالات النهاية.. د.منذر سليمان
تهور وتطرف جون ماكين يلاحقانه انتخابيا
تمهيد
تحفل وسائط الاعلام العربية المختلفة باهتمام كبير للسيناتور الجمهوري جون ماكين، وتعج بالمبالغات لدور هذا السياسي المخضرم، وتسند له ميزات قد لا يستحقها، وترسم حوله هالة سياسية غير عادية لشخص يهوى الاضواء. بيد ان هناك شبه اجماع على دوره كممثل وفيّ للنخبة السياسية الاميركية وتيارها الاشد عدوانية واستعدادا للمغامرات العسكرية الاميركية في المنطقة العربية والتي تصب في خدمة الكيان الصهيوني.
نرى لزاما علينا اماطة اللثام عن هذه الشخصية ووضعها في سياقها ووزنها الحقيقيين، والـتأكيد على ان ماكين لا يتصرف بمفرده، بل يعبر عن مصالح النخب السياسية المتنفذة في اميركا. يترأس “المعهد الجمهوري،” منذ عشرين سنة ونيف، ويتمتع المعهد بعلاقة وثيقة مع الاجهزة الاستخباراتية الاميركية، لا سيما وكالة السي آي ايه. يتأهب ماكين لخوض جولة اخرى من الانتخابات طمعا في الاحتفاظ بمركزية دوره في لجان الكونغرس الهامة، القوات المسلحة والخارجية.
في الشق المقابل، قلة قليلة من المراقبين للمشهد الاميركي توقعت اضمحلال دور ماكين وتراجع شعبيته داخل صفوف الحزب الجمهوري، ويواجه اليوم تحديا من امرأة تشاركه عضوية الكونغرس عن الحزب الديموقراطي، مدركة ان نجم ماكين في افول.
صقور الحزب الجمهوري امام استحقاق
في البداية، كانت القاعدة الانتخابية تتململ من وطأة الحروب العبثية، واحجمت عن المواجهة العلنية مع قادتها وممثليها. تدرج التململ داخل الحزب الجمهوري الى اعتراض ومواجهة واضحى منافسا حقيقيا في الجولة الانتخابية المقبلة، 2016، لا سيما وان احد اهم صقور الحزب، جون ماكين، سيترشح مرة اخرى للاحتفاظ بمنصبه في مجلس الشيوخ عن ولايته اريزونا، بعد تبوئه المنصب لثلاثة عقود متتالية منذ عام 1986، والبالغ 78 عاما.
القاعدة الحزبية المحافظة تتطلع “للتخلص من ماكين،” منذ زمن ولاسباب عدة، ابرزها دفاعه المستميت عن غزو واحتلال العراق وتداعياته الاقتصادية والسياسية على السواء. يتمتع ماكين بنفوذ طاغي في صنع السياسة الخارجية والدفاعية للولايات المتحدة، لا سيما ترؤسه لجنة القوات المسلحة وعضوية لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، وسجل طويل من الخبرة السياسية.
الحزب الجمهوري في ولاية اريزونا لا زال في مرحلة التفتيش عن مرشح مناسب تتوفر فيه/ا فرصة للفوز، ولديه متسع من الوقت. وجاءه الرد من حيث لم يحتسبه، عضو مجلس النواب عن الحزب الديموقراطي، آن كيركباتريك، لتعكر اجواء المرشحين المحتملين عن الحزب الجمهوري. واعلنت مؤخراً عن نيتها الترشح لمقعد ماكين في مجلس الشيوخ، اعتبرها العديد من المراقبين خطوة من شأنها “تعقيد المشهد الانتخابي للحزب الجمهوري،” لا سيما وان عضويتها في مجلس النواب لا تعاني من منافسة قوية او معتبرة لو ارادت الترشح للمنصب مرة اخرى.
مفاجأة كيركباتريك شكلت صدمة بينة لاقطاب الحزب الجمهوري، وعلق المستشار السياسي للحزب، سكوت ماهاسكي، بالقول ان منافسة كيركباتريك لماكين “تشكل احد اغرب الخطوات السياسية التي شهدناها في ولاية اريزونا منذ 15 عاما.”
سبق اعلان كيركباتريك صدور نتائج استطلاع للرأي بين الناخبين المدرجين في خانة الحزب الديموقراطي، الشهر الماضي، الذين اعربوا عن “دعم فاتر” لجون ماكين؛ كما اشارت الى ارتفاع معدلات عدم الرضا عن ادائه بين صفوف الحزب الجمهوري. وتجدر الاشارة الى مركزية اصوات الناخبين من اصول لاتينية في ولاية اريزونا الحدودية، والذين استهدفهم الحزب الجمهوري في سياساته المتشددة ضد المهاجرين، ضمن سلسلة اجراءات اخرى اقصتهم عن تأييد ممثليه وسياساته. يشار الى ان الرئيس اوباما الذي خسر ولاية اريزونا التي تحسب في خانة الحزب الجمهوري، في الدورتين، لكنه فاز ايضا عام 2012، بنسبة تعدت 70% من تعداد الجالية اللاتينية.
ماكين والعرب
يصنف السيناتور جون ماكين في خانة اشهر صقور السياسة الاميركية، يتميز بالمثابرة وسرعة الغضب، في آن، ويتمسك بقناعاته. لماكين حقد عميق ضد كافة الدول والحكومات التي لا تسير في فلك الولايات المتحدة، ويصفه البعض بأنه يعمل علناً على زعزعة استقرارها والاطاحة بها. الرئيس الكوبي السابق فيديل كاسترو وصف تطرف ماكين بأنه “يشعر بالارتياح عندما يصدر (الرئيس) اوباما اوامره باطلاق صواريخ اكثر باتجاه القوات السورية.”
يعتبره البعض، عن حق، بأنه وزير الحرب المتنقل لاحداث “الربيع العربي،” وله دور ظاهر في كافة الاحداث العالمية، اذ “بعد ظهوره في اي مكان نشهد اراقة الدماء.” وكان تحركه لدعم الجماعات المسلحة بارزاً في كل من سورية وليبيا، قبل وبعد اندلاع المواجهات ضد حكومتي البلدين.
يشتهر ماكين ايضا بتهوره وتصريحاته الجادة بلغة السخرية، وهو الذي طالب الرئيس اوباما “اقصف اقصف ايران.” كما قارن على حساب تغريده الخاص الرئيس الايراني السابق، محمود احمدي نجاد، بالقرد قائلا “اذن احمدي نجاد يريد ان يصبح اول ايراني يزور الفضاء، ولكن ألم يكن هناك منذ اسبوع مضى؟“
مستقبل ماكين
نظرا لتقدم ماكين في العمر، 78 عاما، لا ينظر اليه بارتياح داخل اوساط الحزب الجمهوري الذي “يعتقد” انه سيفوز بالبيت الابيض في الانتخابات القادمة. وعقب اعلانه عن نيته لاعادة ترشيحه وجد نفسه في مواجهة مرشحة عن الحزب اليموقراطي تنافسه المقعد.
الانتخابات المحلية في ولاية اريزونا لها ما يميزها من تعقيدات واجراءات. اذ من المتوقع ان تصدر المحكمة العليا الفيدرالية قراراً حول شرعية اعادة ترسيم الخريطة الانتخابية في اريزونا، كما ارادها الحزب الجمهوري. القضية امام المحكمة تضع قطبين في الحزب الجمهوري في مواجهة بعضهما: كونغرس الولاية تحت سيطرة الجمهوريين ولجنة اعادة ترسيم خريطة التمثيل التي صادق عليها الكونغرس عينه. كيركباتريك استبقت القرار المنتظر صدوره خلال بضعة اسابيع ربما لاحراج قادة حزبها الديموقراطي وكسب تأييده مبكرا.
القراءة الاولية لمداولات المحكمة العليا تشير، وان ليس يقينا، بميلها للمصادقة على حق برلمانات الولايات المحلية اعادة ترسيم خرائطها وفق ما تقتضيه النسب الديموغرافية؛ وفي حال اريزونا فانها تميل لصالح الحزب الجمهوري. عندئذ سيذهب مقعد كيركباتريك لصالح مرشح عن الحزب الجمهوري وفق خريطة التمثيل المستحدثة التي تحرم تواجد اغلبية شعبية مؤيدة للحزب الديموقراطي في الدوائر المختلفة.
احدث استطلاعات الرأي، 1-3 أيار الجاري، اشارت الى تقدم جون ماكين بنسبة 42% على خصمه كيركباتريك 36%، واحجام نحو 23% من الناخبين عن تأييد اي منهما في الوقت الراهن. كما ان ماكين حافظ على نسبة تفوقه امام مرشحين ديموقراطيين آخرين. يشار الى ان اغلبية الناخبين المصنفين بالمترددين تميل الى تأييد الحزب الجمهوري في المحصلة النهائية.
يتفوق ماكين ايضا على خصمه كيركباتريك ماديا، اذ لديه سيولة نقدية يبلغ حجمها 3,6 مليون دولار مقابل 297,000 لخصمه.
جولة الانتخابات الابتدائية، للمرشحين الجمهوريين، ستعقد قبل الانتخابات العامة في شهر تشرين الثاني المقبل؛ وهي الجولة التي سيواجه فيها ماكين تحديا ومنافسة داخلية عقب توجيه اللوم له من قبل اعضاء الحزب في الولاية، منتصف العام الماضي، للاعراب عن عدم الرضى لسياساته نحو مسالة الهجرة.
اعرب عدد من المرشحين المحتملين عن الحزب الجمهوري نيتهم دخول السباق الانتخابي لمنافسة ماكين، معلقين امالاً على غضب القواعد الانتخابية واحجامها عن تأييد ماكين. في الجولة السابقة، استطاع ماكين سحق منافسيه داخل حزبه. مقاطعة ماريكوبا الكبرى التي تضم العاصمة فينكس تعد معقلا لعدد من معارضي ماكين.
خزينة ماكين وسيولة النقد الجاهزة قد تسعفه في تجاوز عقبة المرحلة الابتدائية، وتؤهله دخول الجولة النهائية اكثر اطمئناناً خاصة وان ولاية اريزونا تميل بغالبيتها لتأييد مرشحي الحزب الجمهوري.
ماكين في السياسة الخارجية
يعد جون ماكين احد اهم الاقطاب نفوذا وتأثيرا على صياغة السياسة الاميركية الخارجية لاعتبارات عده، ابرزها علاقته الوثيقة بمراكز رؤوس الاموال وشركات تصنيع الاسلحة، وهو المؤيد الموثوق للتدخل العسكري الاميركي عبر العالم، لا سيما في الوطن العربي ودول اوروبا الشرقية سابقا. في نهاية شهر شباط 2011 شوهد ماكين في لقاء له مع بعض السياسيين الليبين وطلب منهم تنظيم عمليات نقل الاسلحة من مخازن الجيش الليبي الى سورية.
يتهمه البعض بالتهور وجاهزيته للمغامرة العسكرية وهو الداعي الدائم لاستخدام تفوق سلاح الجو الاميركي لمواجهة اي تحديات تتراوح بين الدولة الاسلامية وتشمل سورية وايران. ويعتبر افضل تجسيد للمأثور الشعبي الاميركي “ان لم يتوفر لديك سوى مطرقة، تصبح كافة العقبات امامك مسمارا.”
يولي ماكين اهمية عالية لهيكلية سلاح البحرية على خلفية خدمته الالزامية كقائد طائرة مقاتلة في سلاح البحرية الاميركية، ويمارس نفوذه في المصادقة على تعيين قادة البحرية الى اقصى الحدود. كما يمثل امامه كافة المرشحين لمناصب سياسية وديبلوماسية رفيعة طمعا في نيل مصادقة لجنته وفق النصوص الدستورية. الأمر الذي يضاعف نفوذ وهيبة ماكين في نظر الجميع، لنهاية العام المقبل على الاقل.
ما ينتظر ماكين بعد 2016 يبقى رهن نتائج الانتخابات المقبلة، وهو يدنو من عامه الثمانين ان فاز بالانتخابات. اقطاب حزبه الجمهوري تسعى لفرز مرشح اصغر سنا دون المساس بهيبة ماكين، الأمر الذي ستحسمه الايام المقبلة داخل فرع الحزب في ولاية اريزونا.
اعرب ماكين مرارا عن عدم قلقه من “الربيع العربي،” خاصة امام تنامي الخشية من بروز تيارات اسلامية متطرفة. ويكرر على مسمع مؤيديه ان الوضع الراهن “يشكل فرصة للتحرر من الديكتاتوريات سواء رغبت الولايات المتحدة ام لا.”