توافق أم مبارزة استراتيجية بين طهران وواشنطن؟ عامر نعيم الياس
لم تعترض الولايات المتحدة الأميركية على دخول الحشد الشعبي في العراق إلى محافظة الأنبار، حيث تمّ الإعلان عن بدء عملية تحرير المحافظة يوم أمس، وهو أمر أثار جملة شكوك من موقف واشنطن الأخير بين من رأى فيه محاولةً لتوريط الحشد، وبين من رأى فيه اعترافاً أميركياً بواقع الحال في العراق بعد فشل حلفاء واشنطن في وقف تمدّد «داعش» في العراق، لكن ما جرى في الرمادي المدينة الاستراتيجية وما حصل بعدها في تدمر المدينة الاستراتيجية هي الأخرى، وردود الفعل الأميركية الإيرانية حول ما جرى أفرز احتمالاً آخر يبتعد عن كلا الاحتمالين السابقين، فالمبارزة الاستراتيجية على أرض العراق لا تزال مستمرة، وما تسليم الأميركي بما جرى سوى مرحلة من مراحل إدارة الأزمة في العراق، في ضوء عدم وجود رغبة لدى الإدارة الأميركية بتغيير الاستراتيجية المتّبعة في هذا البلد، على الأقلّ في التوقيت الحالي، مع ما يحمله ذلك من احتمالات تطوّر الأوضاع في العراق مستقبلاً باتجاهات ربما يكون التصعيد الديبلوماسي بين واشنطن وطهران جزءاً منها، وتوظّف في خانة التفاوض حول النووي الإيراني على الرغم من إصرار طهران على فصل الملفات الإقليمية عن ملفها النووي.
وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر فاجأ الجميع عندما هاجم الجيش العراقي وأداءه في الرمادي ومعظم المناطق العراقية، فهذا الجيش «انسحب من كافة المناطق ولا يملك إرادة القتال»، متناسياً أنّ من شكّل هذا الجيش ودرّبه واختار عناصره وسخّر مليارات الدولارات من الموازنة العراقية تحت الاحتلال خدمةً لتجهيزه من قبل شركات التسليح الأميركية، هو البنتاغون الذي ينتقد من يقوده اليوم الجيش العراقي.
في المقابل انبرى الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس والمسؤول الإيراني الأبرز عن المشاركة الإيرانية العابرة للحدود في ساحات القتال في المنطقة، لمهاجمة الإدارة الأميركية واتهامها بالعجز في مواجهة داعش «أوباما لم يفعل شيئاً لمواجهة داعش، ألا يدلّ ذلك على أنه لا توجد ايّ إرادة أميركية لمواجهة التنظيم؟» معرباً عن استعداد بلاده لتكثيف حضورها في مختلف ساحات المعارك في المنطقة لمواجهة «داعش»، هنا تحضر محاولة طهران زيادة مستوى تدخلها في الحرب الدائرة في المنطقة، وهنا ليس علينا أيضاً أن نغفل كلمة السيد حسن نصرالله وحديثه صراحةً عن «الخطر الوجودي»، ذلك الخطر الذي من شأنه دفع حالة الفرز في المنطقة إلى الحدود القصوى، كما من شأنه الدلالة إلى شراسة المعركة القائمة في المنطقة والتي من المتوقع أن تمتدّ لسنوات مع تنظيم يبدو أنّ الإدارة الأميركية تحاول توظيف تمدّده في خدمة استراتيجية الاستنزاف في العراق أو حتى سورية، هنا قد يصبح غضّ النظر الأميركي عن الحشد الشعبي، والطرح الإيراني بزيادة التدخل في العراق وغيرها من ساحات المواجهة مع «داعش»، بمثابة مبارزة استراتيجية بين الطرفين الفاعلين في المنطقة، بين من يراهن على قدرة «داعش» على استنزاف الحشد، ومن يراهن على قدرة الحشد والجيش العراقي على إخراج «داعش» من الأنبار وكسب المعركة، في الوقت الذي لا تزال فيه دول الخليج وبعض رعاتها الإقليميون والدوليون على يمين الإدارة الأميركية، تعترف بفشل القصف الجوي في وقف تمدّد «داعش» لكنها لا تفصح عن البديل المتاح والسحري لوقف تمدّد هذا التنظيم.
تَمدّد داعش و«فشلت استراتيجيات مواجهته في المنطقة» وفق ليبيراسيون الفرنسية، ربما حان الوقت لتجريب استراتيجيات جديدة على أرض العراق وسورية، على الرغم من الاختلاف الظاهر في الموقف الأميركي من البلدين.
(البناء)