عرسال والرمادي.. مصير مشترك؟ د. ليلى نقولا الرحباني
في الوقت الضائع والخطر الإرهابي الماثل على الأبواب، يتسلّى نواب “14 آذار” المسيحيون بمحاولات تفجير السجال السياسي الداخلي، بطرح مبادرات غير ميثاقية ولا دستورية، فيحاولون تمريرها لدى البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي إما أن يكون قد أجاب جواباً مبهماً فهم منه النواب الذين زاروه أنه يؤيد طرح سمير جعجع السابق بانتخاب رئيس للجمهورية بالنصف زائداً واحداً، أو أنهم كذبوا في تصريحاتهم على منبر بكركي فقالوا عنه ما لم يقله، مما اضطره ليصدر بياناً توضيحياً استدراكياً قبل تفاقم المشكلة .
نقول الوقت الضائع، لأن الجميع يعلم أن لا حلّ في لبنان مادامت المنطقة تغلي على نار حامية في سباق بين الحرب والحرب، وتعيش حروب الإلغاء المتبادَلة بين الطوائف والمذاهب، وضمن المذهب الواحد. وفي حمأة هذا السجال تتفاعل قضية عرسال وجرودها، بعد مواقف السيد حسن نصرالله الأخيرة في عيد المقاومة والتحرير، والتي دعا فيها الدولة اللبنانية إلى القيام بمسؤولياتها تجاه أراضٍ لبنانية يحتلها الإرهابيون، وتحريرها، وإلا سيقوم اللبنانيون بأنفسهم بتحريرها، كما فعلوا حين تقاعست الدولة اللبنانية عن تحرير أراضيها في الجنوب اللبناني من الاحتلال “الإسرائيلي”، بينما يرفض “تيار المستقبل” هذا الأمر بشكل قاطع، مصرّحاً بأن عرسال خط أحمر ولن يقبل بدخولها تحت أي ذريعة، بدون أن يقدّم أي حلول للتخلص من السيطرة الإرهابية على عرسال، بشكل يشي وكأن هناك قوى في الداخل اللبناني تريد استمرار المسلحين في التواجد في عرسال وجرودها؛ لاستخدامهم أداة ضغط في الداخل اللبناني.
لعل هذا المشهد العرسالي يدفعنا بشكل أو بآخر للتفكير بما حصل في مدينة الرمادي العراقية، التي اجتاحها “داعش” وسبى نساءها وقتل 500 مدني عراقي من أهلها في اليوم الاول من احتلالها، بينما العراقيون مشغولون بالسجال المذهبي حول الجهة المخوَّلة بقتال “داعش” في تلك المناطق، ومنعه من احتلال المزيد من الأراضي العراقية. واللافت أيضاً أن السُّنة العراقيين من أهل الأنبار، أو على الأقل من يتكلم باسمهم، رفضوا – بتحريض من الأميركيين – مساعدة “الحشد الشعبي” في القتال ضد “داعش”، إلى أن استباح “داعش” مناطقهم وارتكب المجازر بحقهم، ولم يشفع لهم مذهبهم ولا دينهم ولا مهادنتهم، فعادوا إلى نقطة البداية متأخرين جداً، فدعوا “الحشد الشعبي” إلى مساعدتهم في تحرير أراضيهم وعودة مهجريهم إلى أراضيهم، بعدما حصلت المجازر وتمّ التهجير والسبي، وكان ما كان..
وبالعودة إلى عرسال، ما يقوم به “تيار المستقبل” يشبه تماماً ما قام به العراقيون قبل سقوط الأنبار والرمادي، أي التلطّي وراء سياسات طائفية وكلام مذهبي رخيص، وتفضيل الشيطان على المواطن العراقي الآخر، إلى أن أذاقهم الشيطان الأمرّين، فهُرعوا إلى طلب المساعدة، بعدما صارت كلفة استئصال الإرهاب من مناطقهم مكلفة جداً بشرياً ومادياً. وهكذا، نخشى أن يكون مصير عرسال كمصير الرمادي، أي السماح للإرهابيين باستباحتها وقتل أهلها وسبي نسائها، بحجة رفض مساعدة “حزب الله” في تحريرها، إلى أن ينقلب السحر على الساحر، فيُهرع “تيار المستقبل” مفجوعاً بحجم المجازر التي يرتكبها الإرهابيون بحق العراسلة الذين استقبلوهم وفتحوا لهم بيوتهم، فيطلب مساعدة الحزب بعد فوات الأوان.
هل يكون مصير عرسال كمصير الرمادي العراقية؟ نتمنى أن لا يكون ذلك، ونتمنى أن يستيقظ اللبنانيون قبل فوات الأوان، فلا يرتكبون نفس الأخطاء التي ارتكبها العراقيون والسوريون بممالأة الشيطان التكفيري، إما خوفاً أو نصرة لما اعتقدوه وحدة المذهب ضد المذاهب “الكافرة” الأخرى.
في المحصلة، يتبين أن “داعش” وبالرغم من استقدامه آلاف المقاتلين من أنحاء العالم، يبقى “بضاعة بَلَدية”، ولولا وجود هذا البضاعة المعبأة مذهبياً، ولولا دناءة بعض السياسيين المحليين وطمعهم، ولولا سياسات دفن الرؤوس في الرمال والادعاء بأن لا خطر من حولنا، وتصديق أكذوبة لننأى بأنفسنا طالما “الشيعة والعلويون والمسيحيون” هم المستهدَفون وحدهم، لما وجد “داعش” وغيره من الجماعات الإرهابية التكفيرية أي موطئ قدم لهم في أي شبر من أرض العرب، ولما استطاع “داعش” أن يستبيح أراضي العراق وسورية ولبنان واليمن وليبيا ومصر وغيرها.