السيد نصر الله: الفرز ومعركة الوجود عامر نعيم الياس
يكفي السيد حسن نصر الله فخراً أن في أجندة حزبه وجمهوره يوماً يحتفلون فيه بطرد «إسرائيل» من أرضهم وهزيمتها. هي «معركة حفظ الوجود» والضمانات الوجودية المتبادلة إن كان لدى الطرف الآخر المواجه لمحور المقاومة القدرة على منح الضمانات من حكم «داعش» و«النصرة» والفاشية الإسلامية عموماً.
بين زمنين، يجد أبناء المنطقة كينونتهم وحيواتهم، إما زمن «داعش»، وإما زمن المقاومة. إما مشروع تفتيت المنطقة واستنزافها، وإما إعادة صوغ وحدتها الجغرافية. هي «سايكس ـ بيكو»، بين ثائر عليها، وبين مؤيدٍ لها كقاعدة انطلاق نحو تقسيم جديد للمنطقة على قاعدة دول الطوائف.
حذّر سيد المقاومة الجميع وتحدث بحزمٍ وحسمٍ عن الحرب الحالية التي يبذل ويسخّر من أجلها كل ما هو حي، بهدف الانتصار. بدءاً من ترابط الجبهات أو بالأدق وحدة الجبهات، وصولاً إلى النفير العام وعشرات آلاف المقاتلين.
يعمّم السيّد نموذج لبنان على سورية والعراق واليمن. المعادلة الذهبية تحضر «الجيش والشعب والمقاومة» نحو إعادة صوغ شكل الدولة وتوزيع المهام في ظل معطى طائفيّ صار محضوناً من فئات شعبية لا تريد سوى المضيّ قدماً في معركة التفتيت بحجة حفظ الوجود الطائفي الضيّق. فما البديل؟
حدّد سيّد المقاومة خطوط المرحلة المقبلة التي يتوقع أن تمتد لسنوات لا لأشهر، حددها بدءاً من النموذج السوري ـ اللبناني المشترك، ووحدة الحرب مع العراق واليمن وفق الأسس التالية:
ـ سورية تشكل رأس الحربة في مشروع المقاومة الجديد وإعادة صوغ المنطقة عبر توحيدها. فالحزب اللبناني المقاوم موجود وسيتواجد أينما اقتضى الأمر. وجود قطع كافة المراحل التدرجية «قتالنا في سورية تجاوز مرحلة التدريج من مقام السيدة زينب إلى القصير إلى القلمون، واليوم نحن نقاتل إلى جانب إخواننا السوريين في الجيش والشعب، وما نقوم به دفاع عن لبنان وسورية والعراق وفلسطين واليمن، وعن كربلاء ودمشق وعرسال واللاذقية، وحضورنا هذا سيحضر كلما اقتضت المسؤولية».
ـ ترابط الجبهات. هذا المفهوم الذي كان حكراً على العقل الاستراتيجي العسكري الصهيوني في ما مضى، انتقل بتفاصيله إلى نهج محور المقاومة. وحزب الله تحوّل إلى قوة لها دورها في إعادة صوغ قواعد الحرب والسلم في المنطقة. وإذا كانت عملية شبعا الأخيرة ردّاً على اغتيال المقاومين الأربعة والجنرال الإيراني، قد كسرت قواعد اللعبة وفتحت سقف المواجهة ورفعت سقف الردع، فإن خطاب السيّد في عيد المقاومة والتحرير كرّس مفهوم الجبهة الواحدة من جنوب لبنان إلى الجولان من ناحية، ومن ناحية أخرى أرّخَ لبداية مرحلة جديدة في تاريخ المنطقة عبر اعتماد ثالوث النصر «الجيش والشعب والمقاومة».
ـ يفرض ثالوث النصر على المؤمنين به النفير العام وإن تجنّب الأمين العام الدعوة إليه. والتحضر للحرب كلٌّ وفق طاقته، ومسألة حمل السلاح وعقيدة الانتصار تكتسب عمقها الأزلي ومبررها الحاضر من معركة «حفظ الوجود» على هذه الأرض في مواجهة المشروع التكفيري. هنا تحضر ضمانات نصر الله للفريق الآخر والتي جاءت على المثال اللبناني، لتشكّل نقطة ارتكاز لطمأنة الآخر كل الآخر على مصيره.
ـ نعيش زمناً يستوجب الانصياع لواقع الفرز بين مشروعين. فالطريق الثالث والتنظير والتحليل في ما يخص سبر أخطاء هذا الطرف أو ذاك، لا قيمة له في ضوء المعركة الكبرى التي نعيشها والتي تتعلق بوجودنا. هنا يتحول الطريق الثالث إلى عامل استنزاف مساعد لمحور الذبح في المعركة الحالية.
معركتنا مع العدو الصهيوني ومن يلف لفّه هي معركة وجود لاحدود «أنطون سعاده»، يستحضر نصر الله دائماً هذا المفكر السوري الوحدوي في تقييمه الخطر الصهيوني الوهابي على سورية أولاً وعلى المنطقة ثانياً. لا يقف هذا الشخص عند طائفة هو وطني مسكون بهاجس الجغرافيا والأرض والهوية. أما رمزيته الدينية فهي كانت ولا تزال في خدمة المعركة الوجودية التي يخوضها مريدوه أينما اقتضت الحاجة، من دون أن يسقط من حساباته تطمين الآخر أي آخر، انطلاقاً من إصرار هذا الآخر على الافتراق عن الجغرافيا والهوية والوطنية بحجة الطائفة.
(البناء)