مقالات مختارة

مصر وازدواجية أردوغان محمد نورالدين

 

تشكل مصر إحدى العقد الأكثر إيلاماً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خصوصاً، ومعه رئيس حكومته وحزب العدالة والتنمية أحمد داود أوغلو.

لم ينفك أردوغان يتعاطى مع مصر كما لو أنها ولاية عثمانية، علماً بأن مصر نفسها كانت أول ولاية تنتفض على حكم السلاطين العثمانيين لتنال ما يشبه استقلالها منذ القائد محمد علي باشا الذي لولا التدخل البريطاني لما انتهت تجربته، ومع ذلك فإن محمد علي كان واضع أسس استقلال مصر وباني نهضتها الحديثة.

لم يغفر الأتراك للمصريين كل مجابهتهم للسلطنة وما بعد السلطنة، فكانت تركيا ما بعد الحرب العالمية الثانية، رغم علمانيتها وأطلسيتها، استمراراً للنفس العثماني في محاربة مصر في عهد عبد الناصر، ومحاربة كل القضايا التحررية العربية، وفي مقدمتها الجزائر.

مع بعث فكرة إحياء المشروع العثماني مع وصول أردوغان وحزبه إلى السلطة عام 2002 عادت العداوة التركية لمصر، وحتى حلفائها في الخليج، لتصل ذروتها مع إطاحة سلطة الإخوان المسلمين وعزل الرئيس المصري محمد مرسي عن موقعه بعد ثورة 30 يونيو 2013.

منذ ذلك الوقت، وأردوغان وداود أوغلو لا يوفران مناسبة إلا ويهاجمان فيها الرئيس المصري الجديد عبدالفتاح السيسي. وبلغت جرأة أردوغان أن يهاجم السيسي من على منبر الأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول الماضي، ضارباً عرض الحائط بكل اللياقات الدولية.

ورغم بعض الجهود الخليجية مع تركيا لتحسين العلاقات مع دول الخليج، كما مع مصر تحديداً، غير أن الخطاب التركي السلبي لم يتغير لا مع مصر ولا مع دول الخليج عموماً، باستثناء قطر.

والخطاب التركي لا يقتصر على الخطاب الرسمي فقط، إذ هناك خطاب الوسائل الإعلامية الموالية لحزب العدالة والتنمية. على سبيل المثال فإن صحيفة «يني شفق» الأكثر موالاة لأردوغان أطلقت الصفات الشنيعة على الدول الخليجية بعد صدور الأحكام على مرسي والقادة الآخرين للإخوان المسلمين.

لكن في التحليل المباشر، فإن ردة فعل أردوغان وأحمد داود أوغلو نفسيهما على هذه الأحكام كانت تتسم بازدواجية المعايير.

يقول أردوغان :”إن الحكم بالإعدام على مرسي هو قرار بإعدام صندوق الانتخابات”. وفي الواقع، لا يزال أردوغان يفهم الديمقراطية على أنها عبارة عن صندوق الانتخاب فقط. لكنه ينسى أن الانتخابات ليست سوى الجزء الأقل أهمية من عملية الديمقراطية. فأبسط انواع الديمقراطية أن يحترم الفائز خيارات الأقلية، أو الفئات التي لم تنتخب الحزب الحاكم. وفي تركيا نفسها أمعن أردوغان، بسبب قانون انتخابات جائر وغير عادل، في إنكار حقوق الفئات المعارضة، معتبراً أن من حقه مصادرة حريات وخيارات المعارضين وهم لا يقلون عن خمسين في المئة، أي نصف الشعب.

ثم إن مرسي في مصر، وسلطة الإخوان المسلمين عموماً، كانت أمينة لنهج المرشد السياسي لها، أي رجب طيب أردوغان، عندما عملت وفي وقت قصير جداً، وبصورة مستعجلة، على وضع اليد على القضاء والإدارة والمؤسسة العسكرية، فكانت انتفاضة 30 يونيو من قبل الشعب ومن المؤسسة العسكرية نفسها.

ويقول أردوغان:”إن العالم، ولا سيما أوروبا، وقف متفرجاً وصامتاً على أحكام الإعدام، خصوصاً أن عقوبة الإعدام في أوروبا ملغاة”. وفي الواقع فإن أردوغان هنا يدرك أن إلغاء عقوبة الإعدام في بلد ما لا تبرر توجيه الانتقاد إلى أحكام في بلد آخر، وحسب قوانين هذا البلد. ففي الولايات المتحدة لاتزال عقوبة الإعدام قائمة، فهل ننتقد ذلك أم أن هذا من حرية خيار ذلك البلد؟

ثم ألا توجد في الإسلام عقوبة القتل والرجم وقطع اليد؟ ألا يعني ذلك أن أردوغان عندما ينتقد الاتحاد الأوروبي بسبب عدم انتقاده عقوبة الإعدام في مصر إنما ينتقد الشريعة الإسلامية التي تقر هذه العقوبة؟ نسوق هذه المقارنة ليس دفاعاً وليس انتقاداً لأحكام الإعدام لا في مصر ولا في غير مصر، بل لنؤكد ازدواجية المعايير لدى أردوغان الذي قال مرة إنه لو كان في السلطة عام 2001 عندما صدر حكم بالإعدام ضد عبد الله أوجلان (قبل أن تلغى لاحقاً عقوبة الإعدام في تركيا بضغط من الاتحاد الأوروبي) لنفّذ الحكم فيه فوراً.

إن من يصادر حرية القضاء وحرية الاعتراض ويغيّر كل قادة الشرطة والقضاة للفلفة فضائح الفساد ليس من حقه لا أن يتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ولا أن يتكلّم عن الحريات والديمقراطية.

(الخليج)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى