طيران إلى اللامكان: آري شافيت
الحكومة الـ 34 لدولة اسرائيل هي طيران إلى اللامكان. السلام؟ حتى لو كانت ظهرت لمحمود عباس هذه الليلة رؤيا الهية، في اعقابها يقع في عشق الحركة الصهيونية، ويعترف بالدولة اليهودية ويقبل مشروع الون ـ فان الحكومة الجديدة لبنيامين نتنياهو ستقول له «لا». فالتعلق المطلق بالجامعات المتطرفة لن تسمح لها بانهاء النزاع، حتى لو قدمت لها نهايته على طبق من فضة.
الحرب؟ حتى لو هوجمت اسرائيل باكثر شكل اجرامي من عدو مجرم، فلن تكون لحكومة اليمين ـ يمين ـ يمين الجديدة الشرعية اللازمة لان تحقق بالهجوم حق اسرائيل في الدفاع عن النفس. فالصورة الاسود من السواد للكابينت الذي يضم نفتالي بينيت، يريف لفين وزئيف الكين سيتسبب في أنه لو فرضت علينا معركة عسيرة ـ سنجد صعوبة شديدة في الايفاء بمقتضياتها.
اصلاح اجتماعي ـ اقتصادي؟ موشيه كحلون سيفعل أفضل ما في وسعه، ولكن مثلما يعرف هو نفسه، فإن حكومة الـ 61 الأسيرة في أيدي المستوطنين، الاصوليين والمتفرغين، لن تتمكن من احلال التغييرات البنيوية اللازمة في الاقتصاد ولن تتمكن من رأب الصدوع في المجتمع.
تغيير طريقة الحكم؟ أضحكتموني.
تحقيق جدول أعمال مدني ـ ديمقراطي؟ ها ها ها ها.
ولكن الطيران إلى اللامكان هو ايضا طيران إلى مكان سيء جدا. ففي غياب رؤيا، تضيع الحكومة. في غياب أمل، سيحقر الوزراء الحقارة. ولما كان الـ 22 مسافرا بربطات العنق في طائرة المدراء الجديدة يعرفون بان طائرتهم لن تقلع ولن تطير، فانهم سينشغلون ليل نهار بالاقتلاع وبالهدم وبتحقيق أجندات شخصية وفئوية.
وزيرة العدل ستشكك باستقلالية الجهاز القضائي. وزيرة الثقافة ستنكل بالثقافة (النخبوية) وستتصدى للفن (التآمري). وزير الاتصالات سيفقأ عيون الاتصالات (التي لتوها حاولت قطع رأسه). الأصوليون سيحرصون على مصالح الأصوليين، والمستوطنون سيضاعفون المستوطنين، ومبعوثو مركز الليكود سيحسنون لمركز الليكود.
ماذا سيكون؟ سيكون فراغ. ستكون مهزلة. فالفصل للحظة بين اليهود والعرب في الباصات في يهودا والسامرة هو مجرد البداية. الطيران إلى اللامكان سيفكك نفسه وسيفككنا بسرعة قصوى.
الكابينت البائس يعرف جيدا إلى أين وجهة طيرانه.
فهو يكره الطائرة التي اضطر إلى تركيبها ويمقت كل واحد وواحد (تقريبا) من المسافرين. الطيار واع ايضا لذلك، في أنه في كل لحظة معطاة يمكن لكل تافه أن يدق الباب ويهدد بقتل الرهائن. وعليه فقد حدد نتنياهو، بينه وبين نفسه، لرحلة الطيران 34 نصف سنة. فاذا لم ينجح حتى نهاية 2015 في تشكيل حكومة وحدة، فانه سيختار الانتخابات.
ولكن مجرد حقيقة أن رحلة الطيران إلى اللامكان هي ايضا رحلة طيران قصيرة الموعد تزيد جنون الحواس وجنون الخواطر في داخلها. فالشعار هو «خذ قدر ما استطعت». خط التوجيه هو «كل واشرب فغدا سنمنع من الطيران». هذه الرحلة هي أيضا رحلة طيران فوضى، كل لروحه وكل لنفسه، وبعدي الطوفان.
نحن نقف أمام سيناريو رابعة. مثل فرنسا في الخمسينيات، اسرائيل تقف أمام مشكلة احتلال دراماتيكية. مثل فرنسا في حينه تعلق اسرائيل في جنون سلطوي عام، لا يسمح لها بالتصدي للاحتلال أو باداء مهامها كدولة سيادية. ولكن ليس مثل فرنسا في حينه، ليس لاسرائيل ديغول. كما ليس لها مسار يؤدي إلى اقامة جمهورية خامسة مستقرة وثابتة.
من هنا عربدت القوى والخواطر الظلماء التي لا تمثل على الاطلاق اغلبية الاسرائيليين. من هنا تعاظم أزمة النظام وتفكك الثقافة السياسية. ان رحلة الطيران إلى اللامكان تدفع نحو السخافة افلاس السياسة الاسرائيلية. فالسيرك لم يعد سيركا ملونا ولا سيركا مسليا. فهو يقوض الشخصية الاساس للمشروع الصهيوني.
هآرتس